حَتَّى يُكْرَهُ بِأَمْرٍ يَخَافُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ رُخِّصَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ صَارَ مُثَابًا شَهِيدًا.
وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ أَوْ الْقَيْدِ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرَهَ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ أَيُّ الْمَالَيْنِ أَوْلَى بِالْأَخْذِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ صَاحِبَا الْمَالَيْنِ فِي الْغِنَى عَلَى السَّوَاءِ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمَالَانِ فِي الْمِقْدَارِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيُتْلِفَ مَالَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيُتْلِفَ الْأَقَلَّ وَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ، وَإِنْ أَتْلَفَ الْأَكْثَرَ ضَمِنَهُ وَلَا رُجُوعَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ صَاحِبَيْ الْمَالَيْنِ أَغْنَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: إنْ كَانَ الْمَالَانِ فِي الْمِقْدَارِ عَلَى السَّوَاءِ يُتْلِفُ مَالَ أَكْثَرِهِمَا غِنًى، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ يُتْلِفُ مَالَ أَكْثَرِهِمَا غِنًى. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَا فَقِيرَيْنِ وَهُمَا فِي الْفَقْرِ عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ فِي الْمِقْدَارِ عَلَى السَّوَاءِ يَتَخَيَّرُ فِي الْأَخْذِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَلَّ يَأْخُذُ الْأَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْقَرَ مِنْ الْآخَرِ لَا يَأْخُذُ مَالَ الْأَفْقَرِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَالَ صَاحِبِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ لِصًّا أَكْرَهَ رَجُلًا بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى أَعْطَى رَجُلًا مَالَهُ وَأَكْرَهَ الْآخَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى قَبَضَهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ فَهَلَكَ الْمَالُ عِنْدَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُمَا دُونَ الْقَابِضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَكْرَهَ الْقَابِضَ عَلَى قَبْضِهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ فَقَبَضَهُ وَضَاعَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَابِضِ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَخَذَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ طَائِعًا، وَمَا أَخَذَهُ إلَّا لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ عَلَى دَفْعِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَكْرَهَ صَاحِبَ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ لِصَاحِبِهِ وَأَكْرَهَ الْآخَرَ عَلَى أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ وَيَقْبِضَهَا بِوَعِيدِ تَلَفٍ، فَإِنْ قَالَ الْقَابِضُ: قَبَضْتُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ فِي يَدِي مِثْلَ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ: أَخَذْتُهَا عَلَى الْهِبَةِ لِيُسَلِّمَ لِي كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَهُ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ أَنَّ لِصًّا أَكْرَهَ رَجُلًا بِالْحَبْسِ عَلَى أَنْ يُودِعَ مَالَهُ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ فَأَوْدَعَهُ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَا الْمُكْرَهُ شَيْئًا، فَإِنْ أَكْرَهَهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَوْدَعَ، وَإِنْ شَاءَ الْمُكْرِهَ، وَأَيَّهُمَا ضَمَّنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ.
وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ وَأَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى شِرَائِهِ وَأَكْرَهَهُمَا عَلَى التَّقَابُضِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ وَالْعَبْدُ ثُمَّ اخْتَصَمُوا فَضَمَانُ الْعَبْدِ لِلْبَائِعِ وَضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْجَأٌ عَلَى دَفْعِ مَالِهِ إلَى الْآخَرِ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ سُئِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّا قَبَضَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ قَبَضَهُ، فَإِنْ قَالَ: قَبَضْتُهُ عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي أُكْرِهْنَا عَلَيْهِ لِيَكُونَ لِي وَقَالَا ذَلِكَ جَمِيعًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ: قَبَضْتُهُ مُكْرَهًا لِأَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَآخُذَ مِنْهُ مَا أَعْطَيْتُ وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ضَمَانٌ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَلَفَ وَيَضْمَنُ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ مَا قَبَضَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَبَى الْيَمِينَ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الْعَبْدَ ضَمَّنَ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَهَا الْمُكْرِهَ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ضَمَّنَهَا الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْمُكْرِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ وَأَبَى الْبَائِعُ الْيَمِينَ فَلَا ضَمَانَ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ، وَأَمَّا الثَّمَنُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَهُ الْمُكْرِهَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْبَائِعَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمُكْرِهَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ وَأَخْذِهِ.
وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَمْ يُرَخَّصْ وَلَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَيَصْبِرَ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ إنْ كَانَ عَمْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْكَافِي. وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُخْتَلِطَ الْعَقْلِ أَوْ صَبِيًّا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ، كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ