فَهَلَكَ عِنْدَهُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرَهَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِيَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَبَاعَ جَائِزًا جَازَ وَبِالْعَكْسِ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرَهُ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةِ نِصْفِ دَارِهِ مَقْسُومًا أَوْ عَلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ فَوَهَبَ الْكُلَّ أَوْ بَاعَ الْكُلَّ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةِ الدَّارِ لِرَجُلٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّصَدُّقِ فَوَهَبَهَا لَهُ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَوَهَبَهُ عَلَى عِوَضٍ وَتَقَابَضَا كَانَ جَائِزًا، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةٍ عَلَى عِوَضٍ فَبَاعَهُ وَتَقَابَضَا كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّقَابُضِ فَوَهَبَهُ عَلَى عِوَضٍ وَتَقَابَضَا، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَفَعَلَ فَعَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَقَبِلَهُ كَانَ هَذَا إجَازَةً، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْهِبَةِ فَنَحَلَهَا أَوْ أَعْمَرَهَا كَانَ بَاطِلًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ أَجْنَبِيًّا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةِ جَارِيَتِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ جَازَتْ الْهِبَةُ فِي حِصَّةِ زَيْدٍ وَبَطَلَتْ فِي حِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَلَوْ كَانَ مَكَانَهَا أَلْفٌ فَالْهِبَةُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. .
وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِدَفْعِهِ فَوَهَبَهُ وَدَفَعَهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبْتُ لَكَ فَخُذْهُ فَأَخَذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ كَانَ لِلْمُكْرِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ وَبِالتَّرْكِ يَصِيرُ آثِمًا. وَالثَّانِي مَا يَكُونُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ مَأْجُورًا بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ آثِمًا، وَالتَّرْكُ أَوْلَى لَهُ. وَالثَّالِثُ مَا يَكُونُ مَأْجُورًا بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَبِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ يَصِيرُ آثِمًا. وَالرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْفِعْلِ عَلَى السَّوَاءِ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. السُّلْطَانُ إذَا أَخَذَ رَجُلًا وَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذَا الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيِّتَةَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ لَحْمَ هَذَا الْخِنْزِيرِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهِ، بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ إذَا كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ يُقْتَلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ آثِمٌ مَأْخُوذٌ بِدَمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِالْإِبَاحَةِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَتَّى قُتِلَ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِبَاحَةِ كَانَ مَأْخُوذًا كَذَا قَالَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ يُمَازِحُهُ بِذَلِكَ وَيُهَدِّدُهُ وَلَا يَقْتُلُهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ وَيُحَكِّمُ رَأْيَهُ فِي هَذَا، وَكَذَا لَوْ أَوْعَدَهُ بِتَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ بِأَنْ قَالَ: لَأَقْطَعَنَّ يَدَكَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْعَدَهُ بِضَرْبِ مِائَةِ سَوْطٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَخَافُ مِنْ ذَلِكَ تَلَفَ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِقْدَارًا بَلْ فَوَّضَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْمُكْرَهِ عَلَى الضَّرْبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: فَإِنْ هَدَّدَهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: لَأَضْرِبَنَّكَ عَلَى عَيْنِكَ أَوْ عَلَى الْمَذَاكِيرِ، وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ بِالْقَيْدِ الْمُؤَبَّدِ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ إذَا كَانَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ. مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُتَنَعِّمًا ذَا مُرُوءَةٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَنَاوَلْ يَمُوتُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ أَوْ الْقَيْدِ أَوْ يَذْهَبُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ، وَكَذَا لَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ فِي مَكَانٍ مُظْلِمٍ يَخَافُ مِنْهُ ذَهَابَ الْبَصَرِ لِطُولِ مَقَامِهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أَجَابَ هَكَذَا بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ فِي زَمَانِهِ، فَأَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّنَاوُلَ، وَإِنْ قَالَ: لَأُجِيعَنَّكَ أَوْ لَتَفْعَلَنَّ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، حَتَّى يَجِيءَ مِنْ الْجُوعِ مَا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ رُخِّصَ لَهُ إظْهَارُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالسَّبِّ، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا يَأْثَمُ، وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ وَالسَّبِّ بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إكْرَاهًا