الْمَالُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْغَائِبِ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْ الْأَصِيلِ، أَمَّا الْأَصِيلُ فَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكَفِيلِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّكَ كَفَلْتَ لِي وَفُلَانٍ الْغَائِبِ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْحَاضِرِ قُضِيَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ وَعَنْ الْكَفِيلِ، أَلَا يُرَى أَنِّي لَوْ لَمْ أَجْعَلْهُ كَفِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا أَدَّى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ كُلِّهِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؟ .
وَفِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ نَفَرٍ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ وَبَعْضُهُمْ حُضُورٌ وَبَعْضُهُمْ غُيَّبٌ وَالْحَاضِرُ مُقِرٌّ لِلْغَائِبِ بِنَصِيبِهِ جَاحِدٌ لِلْبَيْعِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي إلَّا عَلَى الْحَاضِرِ فِي حِصَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ مُقِرًّا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ جَاحِدًا نَصِيبَ الْغَائِبِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالدَّارِ كُلِّهَا لِلْمُدَّعِي، وَإِذَا ادَّعَى هِبَةً، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ رَهْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ غَائِبٌ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ، أَوْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْقَبْضِ أَوْ عَلَى الرَّهْنِ وَالْقَبْضِ - فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ فِي فَصْلِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقَضَاءَ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِ الْحَاضِرِ، وَرَهْنُ الْمُشَاعِ بَاطِلٌ، فَأَمَّا فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ هَاهُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْهِبَةِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَفِي فَصْلِ الرَّهْنِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ أَصْلًا، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِمَّا يُقَسَّمُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِهِبَةِ الْكُلِّ وَلَكِنْ يُنَفِّذُ فِي النِّصْفِ فِي الْحَالِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيُنَفِّذَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي، ثُمَّ غَابَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، أَوْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَهُ مَالٌ فِي الْمِصْرِ فِي يَدِ أَقْوَامٍ وَهُمْ مُقِرُّونَ بِهِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ: لَا أَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَتَّى يَحْضُرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَبَ نَاظِرًا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ دَفْعُ مَالِهِ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلَعَلَّ أَنَّهُ قَضَى هَذَا الدَّيْنَ أَوْ وَارِثُهُ فَوَقَفْنَا الْأَمْرَ لِهَذَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا، وَإِذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ مَاتَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَدْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لَا يَقْضِي حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، أَوْ نَائِبُهُ، أَوْ يَحْضُرَ وَارِثُ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ