الْمُدَّعِي، ثُمَّ غَابَ فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ، فَبَعْدَ هَذَا يُنْظَرُ: إنْ كَانَ الْمَقَرُّ بِهِ عَيْنًا فَالْقَاضِي يَأْمُرُ مَنْ فِي يَدَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ إذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مُقِرًّا أَنَّهُ مِلْكُ الْمُقِرِّ. وَفِي الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ يَأْمُرُهُ بِالْأَخْذِ، وَلَا يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَقْضِي الْقَاضِي حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ جَمِيعًا، ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَكَذَا، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ غَيْرُ هَذَا، فَالْمَذْكُورُ عَنْهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي فِي فَصْلِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ يَقْضِي، حَتَّى اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَقَالَ: يَقْضِي فِيهِمَا جَمِيعًا اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ حِفْظًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَةً لِحُقُوقِهِمْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الزِّيَادَاتِ: أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ: يَا مُحَمَّدُ الْأَمَةُ الَّتِي فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ كَانَتْ أَمَتِي بِعْتُهَا مِنْكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَسَلَّمْتُهَا إلَيْكَ إلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدْ غَصَبَهَا مِنْكَ وَصَدَّقَهُ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُنْكِرُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَقُولُ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي، فَالْقَوْلُ فِي الْجَارِيَةِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ وَيُقْضَى بِالثَّمَنِ لِإِبْرَاهِيم عَلَى مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، فَلَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدٌ الْأَمَةَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ مَا أَخَذَ إبْرَاهِيمُ الثَّمَنَ مِنْ مُحَمَّدٍ فَأَرَادَ مُحَمَّدٌ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَقَالَ: الْجَارِيَةُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْكَ وَرَدَ عَلَيْهَا الِاسْتِحْقَاقُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ اقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى مُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى ذِي الْيَدِ، وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَذُو الْيَدِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَدَّعِي تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ يَصِرْ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَمَا لَمْ يَصِرْ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّ الْجَارِيَةَ جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَمَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ اسْتَحَقَّهَا بِالنَّتَاجِ بِأَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وُلِدَتْ فِي مِلْكِهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَرْجِعْ مُحَمَّدٌ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَإِنْ ظَهَرَ بِبَيِّنَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بَاعَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ اقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَصِرْ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ.
(بَيَانُهُ) وَهُوَ أَنَّ النَّتَاجَ هَاهُنَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ خَارِجٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ دَعْوَى النَّتَاجِ وَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؟ وَفِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا يَصِيرُ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَكَذَا هُنَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: أَلَا يُرَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّ الْجَارِيَةَ جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إبْرَاهِيمَ بِكَذَا، وَهُوَ يَمْلِكُهَا؟ أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ صَارَ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا