شَتَّى لِأُنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ وَقَدَّمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْضَى بِجَمِيعِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا.
ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلَيْنِ مَالًا فِي صَكٍّ وَأَحَدُهُمَا حَاضِرٌ يَجْحَدُ وَالْآخَرُ غَائِبٌ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: أَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا الْجَوَابُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ عِنْدَهُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَرَأَيْتُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: أَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ بِنِصْفِ الْمَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ بِجَمِيعِ الْمَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَجَابَ فِي الْكُلِّ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ وَلِلْحَاضِرِ، يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَصَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَصِرُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَتَعَدَّى الْقَضَاءُ إلَى الْغَائِبِ، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَهُ بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَكَانَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فَلَا وَجْهَ لَهُ.
رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ لَقِيَ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى هَذَا وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَى الْحَاضِرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ عَلَيْهِ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ مِنْ الْحَاضِرِ شَيْئًا لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي حَضَرَ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى كَفِيلِهِ بِهَا قَضَاءٌ عَلَيْهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبِهِ كَفِيلٌ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَقِيَ الْأَصِيلَ قَبْلَ أَنْ يَلْقَى الْكَفِيلَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا وَفُلَانٌ كَفِيلٌ بِهِ بِأَمْرِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى لَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَلَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا وَادَّعَى أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا وَأَنْتَ كَفِيلٌ بِهِ لِي عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ يَثْبُتُ