وَلَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، فَالْوَالِي، وَالْأَمِيرُ أَوْلَى وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّاسَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّاسِ بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَالِيَ، وَالْأَمِيرَ إنَّمَا جَلَسَا لِلزِّيَارَةِ لَا لِلْفَصْلِ، وَالْحُكْمِ، وَالسَّلَامُ تَحِيَّةُ الزَّائِرِينَ فَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّمَا جَلَسَ لِلْفَصْلِ، وَالْحُكْمِ لَا لِلزِّيَارَةِ فَلَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمُوا مَعَ هَذَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ السَّلَامَ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ السَّلَامِ بَلْ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ رَدَّ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرُدَّ كَذَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.
، وَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي جَوَابَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ " وَعَلَيْكُمْ "، وَيُسَلِّمُ الشَّاهِدُ عَلَى الْقَاضِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ جَلَسَ لِتَفَقُّهِ تَلَامِيذِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ وَسَلَّمَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ السَّلَامَ، وَكَذَا كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ جَلَسَ لِلذِّكْرِ أَيَّ ذِكْرٍ كَانَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ وَسَلَّمَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ السَّلَامَ، وَإِذَا جَلَسَ الْقَاضِي لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِمْ، يَمْنَعُهُمْ عَنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ، وَيُقَالُ لَهُ صَاحِبُ الْمَجْلِسِ وَلَهُ أَسَامٍ: الشُّرْطِيُّ، وَالْعَرِيفُ، وَالْجِلْوَازُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سَوْطُ الْأَدَبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ طَمَّاعًا حَتَّى لَا يَرْتَشِيَ فَلَا يَمِيلَ إلَى بَعْضِ الْخُصُومِ وَلَا يَتْرُكَ تَأْدِيبَهُ إذَا أَسَاءَ الْأَدَبَ، وَإِذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَ الْمَجْلِسِ لِيَقُومَ بِبُعْدٍ مِنْهُ حَتَّى لَا يَعْرِفَ مَا يَدُورُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَبَيْنَ الْقَاضِي - وَلَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ - وَلَا يُلَقِّنَهُ شَيْئًا فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا وَتَرَكَهُ بِقُرْبٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْمَلُ مَا فِيهِ النَّظَرُ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي أُمُورِ النَّاسِ وَلَا يَنْبَغِي لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُسَارَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْعَثَ أَمِينًا إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَيَحْفَظَ مَنْ جَاءَ أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَيُقَدِّمَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُقَدِّمَ وَاحِدًا عَلَى مَنْ جَاءَ قَبْلَهُ لِفَضْلِ مَنْزِلَتِهِ، أَوْ سَلْطَنَتِهِ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْغُرَبَاءِ فَعَلَ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ كَثْرَةٌ بِحَيْثُ يَشْغَلُونَهُ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ قَدَّمَهُمْ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مَعَ النَّاسِ وَيُقَدِّمُ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ، وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ جَعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ أَسْتَرُ لَهُنَّ كَذَا فِي الْحَاوِي.
(1) (فِقْهٌ حَنَفِيٌّ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي يَرْجِعُ مِنْ لَيْلِهِ إلَى أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِيمِ، وَاَلَّذِي يَبِيتُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيبِ إلَّا أَنَّ الْغَرِيبَ - يَعْنِي الْمُسَافِرَ - أَشَدُّ حَالًا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا رَأَى التَّقْدِيمَ لِأَجْلِ الْغُرْبَةِ لَا يُصَدِّقُهُ فِي قَوْلِهِ: إنِّي غَرِيبٌ عَازِمٌ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِي لَكِنَّهُ يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ غَرِيبٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَشَهَادَةُ الْمَسْتُورِ تَكْفِي، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ مَعَ مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ فَيَسْأَلُ الرُّفْقَةَ أَنَّهُمْ مَتَى يَخْرُجُونَ، وَأَنَّ فُلَانًا هَلْ يَخْرُجُ مَعَهُمْ.؟
فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ حِينَئِذٍ