وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ فَيَحْكِيَ مَا يَحْفَظُ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا، وَقِيلَ: لَا يَصْلُحُ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الْمُفْتِي وَعَقْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ، نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَلَا ذَكَرًا وَلَا نَاطِقًا فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ حَيْثُ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ بَلْ النَّاطِقُ إنْ قِيلَ لَهُ: أَيَجُوزُ هَذَا، فَحَرَّكَ رَأْسَهُ أَيْ نَعَمْ جَازَ أَنْ يُعْمَلَ بِإِشَارَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَنَزِّهًا عَنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ، فَقِيهَ النَّفْسِ، سَلِيمَ الذِّهْنِ حَسَنَ التَّصَرُّفِ.
، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَنْ كَانَ أَهْلًا وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى وَيَمْنَعَ مَنْ لَا يَصْلُحُ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَمِنْ شَرَائِطِ الْفَتْوَى كَوْنُ الْمُفْتِي حَافِظًا لِلتَّرْتِيبِ، وَالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْتَفْتِينَ لَا يَمِيلُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ، وَالْأُمَرَاءِ بَلْ يَكْتُبُ جَوَابَ مَنْ يَسْبِقُ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الْمَيْلِ.
وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْكِتَابَ بِالْحُرْمَةِ وَيَقْرَأَ الْمَسْأَلَةَ بِالْبَصِيرَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ السُّؤَالُ، ثُمَّ يُجِيبَ.
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَرْمِيَ بِالْكَاغَدِ كَمَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُ اسْمِهِ - تَعَالَى - وَاجِبٌ، وَإِذَا أَجَابَ الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَقِيبَ جَوَابِهِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: فِي الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ: وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، أَوْ يَكْتُبَ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، أَوْ يَكْتُبَ: وَبِاَللَّهِ الْعِصْمَةُ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَأْخُذُ الرُّقْعَةَ مِنْ يَدِ امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَكَانَ لَهُ تِلْمِيذٌ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَجْمَعُهَا وَيَرْفَعُهَا فَيَكْتُبُهَا تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ.
وَالْأَحْسَنُ أَخْذُ الْمُفْتِي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ تَوَاضُعًا.
وَيَجُوزُ لِلشَّابِّ الْفَتْوَى إذَا كَانَ حَافِظًا لِلرِّوَايَاتِ وَاقِفًا عَلَى الدِّرَايَاتِ مُحَافِظًا عَلَى الطَّاعَاتِ مُجَانِبًا لِلشَّهَوَاتِ، وَالشُّبُهَاتِ، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَالْجَاهِلُ صَغِيرٌ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي حَلِيمًا رَزِينًا لَيِّنَ الْقَوْلِ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ لِلْفَتْوَى إذَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَإِذَا أَخْطَأَ رَجَعَ وَلَا يَسْتَحِي وَلَا يَأْنَفُ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَفِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ مَسَائِلِهِ وَجْهَانِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَحْفَظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْرِفَ قَوَاعِدَهُ وَأَسَالِيبَهُ، وَلَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ وَكَذَا الْبَاحِثُ فِي الْخِلَافِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينَ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يَجِبُ الْإِفْتَاءُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ، وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى وَاتِّبَاعُ الْحِيَلِ إنْ فَسَدَتْ الْأَغْرَاضُ، وَسُؤَالُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ.
وَلَا يُفْتِي فِي حَالِ تَغَيُّرِ أَخْلَاقِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِدَالِ، وَلَوْ بِفَرَحٍ وَمُدَافَعَةِ أَخْبَثَيْنِ فَإِنْ أَفْتَى مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ دَرْكِ الصَّوَابِ صَحَّتْ فَتْوَاهُ، وَإِنْ خَاطَرَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْفَتْوَى وَلَا يَأْخُذَ أُجْرَةً مِمَّنْ يَسْتَفْتِي فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ رِزْقًا جَازَ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ جَازَ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهَا بِأُجْرَةٍ مِثْلَ كُتُبِهِ مَعَ كَرَاهَةٍ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمُدَرِّسٍ وَمُفْتٍ كِفَايَتَهُمَا، وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ