وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَالتَّكْلِيفِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ أَعْمَى وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَلَا أَصَمَّ وَلَا أَخْرَسَ، وَأَمَّا الْأَطْرَشُ، وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْقَوِيَّ مِنْ الْأَصْوَاتِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَوْلِيَتِهِ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
حَتَّى لَوْ قُلِّدَ جَاهِلٌ، وَقَضَى هَذَا الْجَاهِلُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ لَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ لَكِنَّهَا شَرْطُ الْكَمَالِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فِيهَا حَدَّ الشَّرْعِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْفَاسِقُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَلَوْ قُلِّدَ، وَهُوَ عَدْلٌ، ثُمَّ فُسِّقَ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَلَكِنْ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَهُ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَلَوْ شَرَطَ السُّلْطَانُ أَنَّهُ مَتَى فُسِّقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ، وَالْجَائِرُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ، وَلَا يَخُوضُ فِي قَضَايَاهُ بِشَرٍّ وَلَا يَنْهَاهُ عَنْ تَنْفِيذِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَنْبَغِي أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ وَيَخُوضُ فِي قَضَايَاهُ بِشَرٍّ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَنْبَغِي لَا يُتَقَلَّدُ مِنْهُ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ: وَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي الْجَوْرِ وَذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَطِ: وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ أَيْ فِي السُّلْطَانِ الَّذِي يُقَلِّدُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْخَوَارِجِ مِنْ سِيَرِ الْأَصْلِ إذَا غَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى مَدِينَةٍ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَيْهَا قَاضِيًا فَقَضَى بِأَشْيَاءَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى تِلْكَ الْمَدِينَةِ فَرُفِعَتْ قَضَايَاهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ مِنْهَا مَا كَانَ عَدْلًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى بِشَيْءٍ مِمَّا رَآهُ الْفُقَهَاءُ يُمْضِيهِ إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْقُضَاةِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَيْضًا لَا يُنْفِذُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ قَضَايَاهُ، وَأَشَارَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَى أَنَّهُ يُنْفِذُ، فَإِنَّهُ قَالَ: هُمْ بِمَنْزِلَةِ فُسَّاقِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ قَاضِيًا عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ.
وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ النَّوَازِلِ: الْمُتَغَلِّبُ إذَا وَلَّى رَجُلًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ، وَقَضَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ خَالَفَ أَبْطَلَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ.
وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى: وَالتَّقْلِيدُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يَصِحُّ وَبِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا تَنْعَزِلُ قُضَاةُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي لَا تَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ السُّلْطَانُ الْعَدْلُ ثَانِيًا.
وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْمُتَغَلِّبِ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ مِنْ الْخَلِيفَةِ إذَا كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ يَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَ رَعِيَّتِهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا تَثْبُتُ السَّلْطَنَةُ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ.
ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ بَيَانُهُ أَنَّ