قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَغْشُوشِ إذَا بَيَّنَهُ أَوْ كَانَ ظَاهِرًا يُرَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ فِي رَجُلٍ حَمَلَ الْفِضَّةَ عَلَى النُّحَاسِ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِسَتُّوقَةٍ إذَا بَيَّنَ وَأَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَكْسِرَهَا فَلَعَلَّهَا تَقَعُ فِي يَدِ مَنْ لَا يُبَيِّنُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ بِشْرٌ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الزُّيُوفَ، وَالْبَهْرَجَةَ، وَالسَّتُّوقَةَ، وَالْمُكَحِّلَةَ، وَالْبُخَارِيَّةَ، وَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَتَجَوَّزُ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ إنْفَاقَهَا ضَرَرٌ بِالْعَوَامِّ وَمَا كَانَ ضَرَرًا عَامًّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ يُصْلِحُهُ تَرَاضِي هَذَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ مِنْ قِبَلِ مَا يَتَجَوَّزُ فِيهِ مِنْ الدُّلْسَةِ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ وَمِنْ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّجُ قَالَ فَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ وَيُعَاقِبَ صَاحِبَهُ إذَا أَنْفَقَهُ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا تَعْرِيفُهَا فَقِيلَ هِيَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا حَتَّى إنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ سَوَاءٌ كَفَلَ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ قَبُولُ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ خِطَابِ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ خِطَابِ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ الطَّالِبُ لِآخَرَ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِي فَقَالَ كَفَلْت أَوْ قَالَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لِغَيْرِهِ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِمَالٍ عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ ذَلِكَ الْغَيْرُ كَفَلْت تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَتَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ عَلَى إجَازَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْغَائِبُ كَفَالَتَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَوْ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الطَّالِبُ فَقَبِلَ لَمْ تَصِحَّ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ الْكَفَالَةُ تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ وُجِدَ الْقَبُولُ أَوْ الْخِطَابُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقِيلَ عِنْدَهُ تَجُوزُ بِوَصْفِ التَّوَقُّفِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِهَا الطَّالِبُ تَنْفُذُ وَإِلَّا تَبْطُلُ وَقِيلَ هِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ بِوَصْفِ النَّفَاذِ وَرِضَا الطَّالِبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْكَافِي، وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ وَهَكَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِنْ وَجَدَ الْخِطَابَ أَوْ الْقَبُولَ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِرَجُلٍ: اُكْفُلْ عَنِّي لِفُلَانٍ بِنَفْسِي أَوْ بِمَالِهِ عَلَيَّ أَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِمَالِهِ عَنْ مَطْلُوبٍ أَوْ بِنَفْسِهِ وَقَبِلَ عَنْهُ الْمَطْلُوبُ إنْ وَجَدَ الْخِطَابَ أَوْ الْقَبُولَ مِنْ