قَائِمَةٍ بِغَيْرِهِ وَلَا مُرِيدًا بِإِرَادَةٍ قَائِمَةٍ بِغَيْرِهِ وَلَا مُحِبًّا وَمُبْغِضًا وَلَا رَاضِيًا وَسَاخِطًا بِحُبٍّ وَبُغْضٍ وَرِضًا وَسُخْطٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ، وَلَا مُتَأَلِّمًا وَلَا مُتَنَعِّمًا وَفَرِحًا وَضَاحِكًا بِتَأَلُّمٍ وَتَنَعُّمٍ وَفَرَحٍ وَضَحِكٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ. فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهَا إلَّا مَنْ أُحِيلَتْ فِطْرَتُهُ.

وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ آمِرًا وَنَاهِيًا بِأَمْرٍ وَنَهْيٍ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ يَقُومُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مُخْبِرًا وَمُحَدِّثًا وَمُنْبِئًا بِخَبَرٍ وَحَدِيثٍ وَنَبَأٍ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ حَامِدًا أَوْ ذَامًّا وَمَادِحًا وَمُثْنِيًا بِحَمْدٍ وَذَمٍّ وَمَدْحٍ وَثَنَاءٍ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مُنَاجِيًا وَمُنَادِيًا وَدَاعِيًّا بِنَجَاءٍ وَدُعَاءٍ وَنِدَاءٍ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ لَا يَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ وَاعِدًا وَمُوعِدًا بِوَعْدٍ وَوَعِيدٍ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ لَا يَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ مُصَدِّقًا وَمُكَذِّبًا بِتَصْدِيقٍ وَتَكْذِيبٍ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ لَا يَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ حَالِفًا وَمُقْسِمًا مُولِيًا بِحَلِفٍ وَقَسَمٍ وَيَمِينٍ لَا يَقُومُ بِهِ وَلَا يَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ بَلْ مِنْ أَظْهَرِ الْعُلُومِ الْفِطْرِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي عَلِمَهَا بَنُو آدَمَ، وُجُوبَ قِيَامِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالْمَوْصُوفِ بِهَا، وَامْتِنَاعَ أَنَّهَا لَا تَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ.

فَمَنْ قَالَ إنَّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ، وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالنَّبَأَ وَالْخَبَرَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، وَالْحَلِفَ وَالْيَمِينَ، وَالْمُنَادَاةَ وَالْمُنَاجَاةَ، وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى وَيُوصَفُ بِهِ أَنْوَاعُ الْكَلَامِ، يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً بِالْآمِرِ النَّاهِي الْمُنَاجِي الْمُنَادِي الْمُنْبِئِ الْمُخْبِرِ الْوَاعِدِ الْمُتَوَعِّدِ الْحَامِدِ الْمُثْنِي الَّذِي هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً بِغَيْرِهِ، فَقَدْ خَالَفَ الْفِطْرَةَ الضَّرُورِيَّةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ، وَبَدَّلَ لُغَاتِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْمَعْقُولَاتِ وَاللُّغَاتِ فَقَدْ كَذَّبَ الْمُرْسَلِينَ أَجْمَعِينَ، وَنَسَبَهُمْ إلَى غَايَةِ التَّدْلِيسِ وَالتَّلْبِيسِ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ؛ لِأَنَّ الرُّسُلَ أَجْمَعِينَ أَخْبَرُوا أَنَّ لِلَّهِ أَمْرًا وَنَهْيًا، وَقَالَ وَيَقُولُ، وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي أَمَرَ وَنَهَى، وَقَالَ: لَا. إنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَقُمْ بِهِ، بَلْ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ.

ثُمَّ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ ذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَعْرُوفَ مِنْ الْخِطَابِ، وَلَا الْمَفْهُومَ مِنْهُ، لَا عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَلَا عِنْدَ الْعَامَّةِ: بَلْ الْمَعْرُوفُ الْمَعْلُومُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ قَائِمًا بِالْمُتَكَلِّمِ. فَلَوْ أَرَادُوا بِكَلَامِهِ وَقَوْلِهِ أَنَّهُ خَلَقَ فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ كَلَامًا؛ لَكَانُوا قَدْ أَضَلُّوا الْخَلْقَ عَلَى زَعْمِ الْجَهْمِيَّةِ وَلَبَّسُوا عَلَيْهِمْ غَايَةَ التَّلْبِيسِ، وَأَرَادُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015