فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينٌ، وَمَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ أَجْمَعَ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الرُّويَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنَزِيِّ، قَالَ: أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِي، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى السَّدِّ إذْ نَظَرَ إلَى السُّوقِ، قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا. قَالَ: فَمَرَّ بِرَجُلٍ يَحْلِفُ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَآيَةٍ، قَالَ فَغَمَزَنِي عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ: أَتَرَاهُ مُكَفِّرًا؟ أَمَا إنَّ كُلَّ آيَةٍ فِيهَا يَمِينٌ.
وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ لَا يَجِبُ فِي الْحَلِفِ بِهَا يَمِينٌ، كَالْكَعْبَةِ وَغَيْرِهَا، إلَّا مَا نَازَعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْحَلِفِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِ الْإِيمَانِ بِهِ أَحَدَ رُكْنَيْ الْإِيمَانِ.
وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينٌ. قَدْ اتَّبَعَهُ الْأَئِمَّةُ وَعَمِلُوا بِهِ؛ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ هَلْ تَتَدَاخَلُ الْأَيْمَانُ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَفْعَلُ، ثُمَّ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَفْعَلُ، هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ صَالِحِ بْنُ جَابِرٍ الْأَنْمَاطِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ الْقُرْآنِ اغْفِرْ لَهُ. فَوَثَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَهْ الْقُرْآنُ مِنْهُ. زَادَ الصُّهَيْبِيُّ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَرْبُوبٍ، مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ.
فَلَمَّا ابْتَدَعَتْ الْجَهْمِيَّةُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، أَنْكَرَ ذَلِكَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، ثُمَّ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُمْ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ مَنْ أَدْخَلُوهُ فِي شِرْكِهِمْ وَفِرْيَتِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَجَرَتْ الْمِحْنَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَكَانَ أَئِمَّةُ الْهُدَى عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ، مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَكَلَّمَ بِهِ هُوَ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ مِنْهُ وَقَائِمٌ بِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا، إنَّمَا الْمَخْلُوقُ مَا يَخْلُقُهُ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُحْدَثَةِ وَصِفَاتِهَا.
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَرُدُّ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ بِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ، أَنَّهُ لَيْسَ كَلَامَهُ، وَلَا تَكَلَّمَ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمُسْتَقِرَّ فِي فِطْرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، أَنَّ الْمُتَكَلَّمَ بِالْكَلَامِ، لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْكَلَامُ فَلَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِشَيْءٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِعِلْمٍ قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَلَا حَيًّا بِحَيَاةٍ