وَلَا الْمَعْنَى الْمُجَرَّدَ، بَلْ لَفْظُ الْأَمْرِ إذَا أُطْلِقَ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا، فَلِهَذَا قِيلَ صِيغَةٌ، كَمَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ جِسْمٌ أَوْ لِلْإِنْسَانِ رُوحٌ، وَكَمَا يُقَالُ لِلْكَلَامِ مَعْنًى وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ خَالَفَ فِيهَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَشْعَرِيُّ فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَخَصُّ بِمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ يَكُونُ الرَّجُلُ بِهَا مُخْتَصًّا بِكَوْنِهِ أَشْعَرِيًّا، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْخِلَافَ فِيهَا مَعَهُ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمَسَائِلِ فَتِلْكَ لَا يَخْتَصُّ هُوَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِهَا بَلْ فِي كُلِّ طَرِيقٍ طَوَائِفُ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِي خَاصَّةِ مَذْهَبِهِ لَزِمَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّبِعًا لَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنَّمَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ، وَإِذَا ذَكَرَ الْأَشْعَرِيَّ فَإِنَّهُ يَقُولُ قَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ فَلَا يُدْخِلُهُمْ فِي مُسَمَّى أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ أَبُو الْقَاسِمِ كَانَ لَهُ هُدًى وَلَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِحَقَائِقِ الْأُصُولِ الَّتِي يَتَنَازَعُ فِيهَا الْعُلَمَاءُ وَلَكِنْ كَانَ ثِقَةً فِي نَقْلِهِ، عَالِمًا بِفَنِّهِ كَالتَّارِيخِ وَنَحْوِهِ.
فَصْلٌ
وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ، وَطَبَقَتِهِ كَأَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ وَنَحْوِهِ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ أَئِمَّتِهِ كَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُجَاهِدٍ شَيْخِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْبَاهِلِيِّ شَيْخِ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكٍ وَكَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ التَّآلِيفُ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْكِلَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ وَنَحْوِهِمْ.
وَالطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَخَذَتْ عَنْ أَصْحَابِهِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ إمَامِ الطَّائِفَةِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَنُ الْمُتَوَاتِرَةُ كَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَمَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْت كَلَامَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْتُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَمَنْ لَمْ أَذْكُرْهُ أَيْضًا، وَكُتُبُهُمْ وَكُتُبُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُمْ مَمْلُوءَةٌ بِذَلِكَ، وَبِالرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَخْبَارِ بِأَنَّ تَأْوِيلَهُمَا طَرِيقُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.