بَلْ هُمْ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ إلَى الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُنَازِعُونَ الرَّافِضَةَ فِي إمَامَةِ الشَّيْخَيْنِ وَعَدْلِهِمَا وَمُوَالَاتِهِمَا، وَيُنَازِعُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي فَضْلِهِمَا عَلَى عَلِيٍّ - وَالنِّزَاعُ الْأَوَّلُ أَعْظَمُ، وَلَكِنْ هُمْ الْمِرْقَاةُ الَّتِي تَصْعَدُ مِنْهُ الرَّافِضَةُ فَهُمْ لَهُمْ بَابٌ.

وَكَذَلِكَ الْجَهْمِيَّةُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ فَشَرُّهَا الْغَالِيَةُ الَّذِينَ يَنْفُونَ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَإِنْ سَمُّوهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى قَالُوا: هُوَ مَجَازٌ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَلَا سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ وَلَا مُتَكَلِّمٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ. وَكَذَلِكَ وَصَفَ الْعُلَمَاءُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا أَخْرَجَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ شَيْئًا وَلَكِنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الشَّنِعَةَ بِمَا يُقِرُّونَ فِي الْعَلَانِيَةِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَمَنْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ مَنْ يُدَبِّرُ أَمْرَ هَذَا الْخَلْقِ.

فَقُلْنَا: فَهَذَا الَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَ هَذَا الْخَلْقِ هُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ قُلْنَا: قَدْ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّكُمْ لَا تُثْبِتُونَ شَيْئًا إنَّمَا تَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ الشَّنِعَةَ بِمَا تُظْهِرُونَ. فَقُلْنَا لَهُمْ: هَذَا الَّذِي يُدَبِّرُ هُوَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى قَالُوا: لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِجَارِحَةٍ وَالْجَوَارِحُ عَنْ اللَّهِ مُنْتَفِيَةٌ وَإِذَا سَمِعَ الْجَاهِلُ قَوْلَهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُودُونَ قَوْلَهُمْ إلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ، بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ فِي نَفْيِهِمْ عِلْمَ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11] .

وَذَكَرَ الْعِلْمَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015