وَذَكَرَ تَعَالَى الْقُوَّةَ فَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] وَقَالَ: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] .

وَزَعَمَتْ الْجَهْمِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ: أَنَّ اللَّهَ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا سَمْعَ وَلَا بَصَرَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ قَادِرٌ حَيٌّ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ خَوْفُ السَّيْفِ مِنْ إظْهَارِ نَفْيِ ذَلِكَ، فَأَتَوْا بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا لَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ لِلَّهِ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَوَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا أَخَذُوهُ عَنْ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالتَّعْطِيلِ؛ لِأَنَّ الزَّنَادِقَةَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَلَا حَيٍّ وَلَا سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ، فَلَمْ تَقْدِرْ الْمُعْتَزِلَةُ أَنْ تُفْصِحَ بِذَلِكَ فَأَتَتْ بِمَعْنَاهُ وَقَالَتْ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَالِمٌ قَادِرٌ حَيٌّ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مِنْ طَرِيقِ التَّسْمِيَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُثْبِتَ لَهُ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ سَمْعًا أَوْ بَصَرًا.

وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَصَّرَنَا خَطَأَ الْمُخْطِئِينَ، وَعَمَى الْعَمِينَ، وَحَيْرَةَ الْمُتَحَيِّرِينَ، الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالُوا إنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، لَا صِفَاتٍ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ، وَلَا قُدْرَةَ وَلَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ لَهُ.

وَلَا عِزَّةَ لَهُ وَلَا جَلَالَ لَهُ وَلَا عَظَمَةَ لَهُ وَلَا كِبْرِيَاءَ لَهُ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي سَائِرِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ أَخَذُوهُ عَنْ إخْوَانِهِمْ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ، الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْعَالَمِ صَانِعًا لَمْ يَزَلْ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَلَا حَيٍّ وَلَا سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ وَلَا قَدِيرٍ، وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنْ قَالُوا نَقُولُ: غَيْرَ لَمْ يَزَلْ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا قَوْلَهُمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الصِّفَاتِ، لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُظْهِرُوا مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَتْ الْفَلَاسِفَةُ تُظْهِرُهُ، فَأَظْهَرُوا مَعْنَاهُ، فَنَفَوْا أَنْ يَكُونَ لِلْبَارِي عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَحَيَاةٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ وَلَوْلَا الْخَوْفُ لَأَظْهَرُوا مَا كَانَتْ الْفَلَاسِفَةُ تُظْهِرُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَأَفْصَحُوا بِهِ، غَيْرَ أَنَّ خَوْفَ السَّيْفِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ أَفْصَحَ بِذَلِكَ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، كَانَ يَنْتَحِلُ قَوْلَهُمْ فَزَعَمَ أَنَّ الْبَارِيَ عَالِمٌ قَادِرٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فِي الْمَجَازِ لَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْغَالِيَةِ النُّفَاةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015