يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُعَادُونَ وَلَا يُنَاكَحُونَ وَلَا يَشْهَدُونَ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: هُمَا مِلَّتَانِ الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ هَذَانِ، وَقَدْ كَانَ أَمْرُهُمْ إذْ ذَاكَ لَمْ يَنْتَشِرْ وَيَتَفَرَّعْ وَيَظْهَرْ فَسَادُهُ كَمَا ظَهَرَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ.

فَإِنَّ الرَّافِضَةَ الْقُدَمَاءَ لَمْ يَكُونُوا جَهْمِيَّةً، بَلْ كَانُوا مُثْبِتَةً لِلصِّفَاتِ وَغَالِبُهُمْ يُصَرِّحُ بِلَفْظِ الْجِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَدْ ذَكَرَ النَّاسُ مَقَالَاتِهِمْ، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ وَالْجَهْمِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا رَافِضَةً، بَلْ كَانَ الِاعْتِزَالُ فَاشِيًّا فِيهِمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ كَانُوا ضِدَّ الرَّافِضَةِ وَهُمْ إلَى النَّصْبِ أَقْرَبُ، فَإِنَّ الِاعْتِزَالَ حَدَثَ مِنْ الْبَصْرَةِ وَالرَّفْضَ حَدَثَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ، وَالتَّشَيُّعَ كَثُرَ فِي الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ كَانُوا بِالضِّدِّ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ زَمَنِ الْبُخَارِيِّ مِنْ عَهْدِ بَنِي بُوَيْهٍ الدَّيْلَمِ فَشَا فِي الرَّافِضَةِ التَّجَهُّمُ وَأَكْثَرُ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَظَهَرَتْ الْقَرَامِطَةُ ظُهُورًا كَثِيرًا وَجَرَى حَوَادِثُ عَظِيمَةٌ. وَالْقَرَامِطَةُ بَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِ الْمَجُوسِ، وَشَيْءٍ مِنْ دِينِ الصَّابِئَةِ، فَأَخَذُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْلَيْنِ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ، وَعَنْ هَؤُلَاءِ الْعَقْلَ وَالنَّفْسَ، وَرَتَّبُوا لَهُمْ دِينًا آخَرَ لَيْسَ هُوَ هَذَا وَلَا هَذَا، وَجَعَلُوا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ سِيمَا الرَّافِضَةِ، مَا يَظُنُّ الْجُهَّالُ بِهِ أَنَّهُمْ رَافِضَةٌ. وَإِنَّمَا هُمْ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ، اخْتَارُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ وَالْهَوَى فِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.

وَالشِّيعَةُ هُمْ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ، شَرُّهَا الْغَالِيَةُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِعَلِيٍّ شَيْئًا مِنْ الْإِلَهِيَّةِ أَوْ يَصِفُونَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَكُفْرُ هَؤُلَاءِ بَيِّنٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُ الْإِسْلَامَ، وَكُفْرُهُمْ مِنْ جِنْسِ كُفْرِ النَّصَارَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُمْ يُشْبِهُونَ الْيَهُودَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى. وَالدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: وَهُمْ الرَّافِضَةُ الْمَعْرُوفُونَ، كَالْإِمَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِمَامُ الْحَقُّ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَصٍّ جَلِيٍّ أَوْ خَفِيٍّ وَأَنَّهُ ظُلِمَ وَمُنِعَ حَقَّهُ، وَيُبْغِضُونِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَيَشْتُمُونَهُمَا، وَهَذَا هُوَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ سِيمَا الرَّافِضَةَ وَهُوَ بُغْضُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَسَبُّهُمَا.

وَالدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُفَضِّلَةُ مِنْ الزَّيْدِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَكِنْ يَعْتَقِدُونَ إمَامَتَهُمَا وَعَدَالَتَهُمَا وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ ا، فَهَذِهِ الدَّرَجَةُ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً، فَقَدْ نُسِبَ إلَيْهَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ أَهْلُهَا قَرِيبًا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015