لِتَمْتَنِعَ مِنْهُ، أَوْ تَبْذُلَ لَهُ فِي خُصُومَتِهَا، وَذَلِكَ يَشُقُّ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ، أَوْ إفْرَادِهَا بِمَسْكَنٍ يَلِيقُ بِهَا وَخَادِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ، أَوْ تَمْنَعَ مِنْ إعَانَتِهِ فِي الْمَنْزِلِ بِطَبْخٍ أَوْ فَرْشٍ أَوْ لُبْسٍ أَوْ غَسْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ لِيُفَارِقَهَا فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ الْأُمُورُ مِنْهَا مَا قَدْ يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِهِ، فَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهِ فَتَقْدِيرُهُ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ أَمْرٌ يَدْخُلُهُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَلَا يَكَادُ يَنْقُلُ غَالِبًا مَنْ عَاشَرَتْ زَوْجَهَا بِمِثْلِ هَذَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ خُلُوِّهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَنَقُولُ: إذَا فَعَلْت الْمُبَاحَ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، أَمَّا إذَا قَصَدْت بِهِ ضَرَرًا غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ، مِثْلُ مَنْ يَقْصِدُ حِرْمَانَ وَرَثَتِهِ بِالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ فِي مَرَضِهِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الصَّدَاقِ وَلَا فَرْضَ النَّفَقَةِ وَهِيَ طَيِّبَةُ النَّفْسِ بِالْخِدْمَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَإِنَّمَا تَجَشَّمَ ذَلِكَ لِتُضَيِّقَ عَلَى الزَّوْجِ لِيُطَلِّقَهَا، فَإِلْجَاؤُهُ إلَى الطَّلَاقِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ إلْجَاءٌ إلَى فِعْلِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ وَهُوَ يَضُرُّهُ، وَهِيَ آثِمَةٌ بِهَذَا الْفِعْلِ إذَا كَانَ مُمْسِكًا لَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالشَّرْعِ الْمُطَالَبَةُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، أَمَّا إذَا قَصَدَتْ التَّسْرِيحَ فَقَطْ، وَإِنَّمَا تُطَالِبُهُ بِمُوجَبَاتِ الْعَقْدِ لِتَضْطَرَّهُ بِعُسْرِهَا عَلَيْهِ إلَى التَّسْرِيحِ، فَهَذِهِ لَيْسَتْ طَالِبَةً أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ طَالِبَةٌ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، وَهِيَ لَا تَمْلِكُ ذَلِكَ شَرْعًا، فَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ تَلْحَقُ بِاَلَّتِي بَعْدَهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِي أَقْسَامِ الْحِيَلِ، لَكِنَّ هَذَا الْفِعْلَ إنَّمَا حُرِّمَ بِالْقَصْدِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ لِجِنْسِ الْفِعْلِ أَوْ لِقَصْدٍ يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ، وَلَا يُقَالُ فَقَدْ يُبَاحُ لَهَا الِاخْتِلَاعُ إذَا كَانَتْ تَخَافُ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ مَعَهُ.
فَكَذَلِكَ يُبَاحُ لَهَا الِاسْتِقْصَاءُ فِي الْحُقُوقِ حَتَّى تُفَارِقَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاخْتِلَاعُ يَتَضَمَّنُ تَعْوِيضَهُ عَنْ الطَّلَاقِ بِرَدِّ الصَّدَاقِ إلَيْهِ، أَوْ رَدِّ مَا يَرْضَى بِهِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، وَهَذِهِ تَلْجِئَةٌ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِعَةِ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَفِي ذَلِكَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَإِذَا قَصَدَتْ إيقَاعَ هَذَا الضَّرَرِ بِهِ بِفِعْلٍ هُوَ مُبَاحٌ، أَوْ خَلَا عَنْ هَذَا الْقَصْدِ دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِحُقُوقِ النِّكَاحِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ قَصَدَ إضْرَارَ غَيْرِهِ بِشَيْءٍ هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ.