يُمْكِنُهَا فِعْلُهُ، فَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَإِلَّا فَاخْتِلَاعُهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِقَالَةِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدْ تُسِيءُ عِشْرَتَهُ إسَاءَةً تَحْمِلُهُ عَلَى طَلَاقِهَا؛ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَنْقَضِي بِالتَّقَابُضِ مِنْهُمَا فَكُلُّ مَنْ قَالَ إنَّ ابْتِيَاعَ الْإِنْسَانِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ بَاطِلٌ قَالَ هُنَا إنَّ نِكَاحَ الثَّانِي بَاطِلٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ هُنَاكَ فَقَدْ يَقُولُ هُنَا بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ خُدِعَ حِينَ الْعَقْدِ وَتُسُبِّبَ فِي إزَالَةِ نِكَاحِهِ، وَزَوَالُ النِّكَاحِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ الْإِقَالَةِ فِي بَيْعٍ أَوْ فَسْخِهِ، وَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَ طَلَبَ مِنْ الرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً لَجَازَ؛ وَلَوْ طَلَب أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ لِيَتَزَوَّجَهَا لَكَانَ مِنْ الْقَبِيحِ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي وَلَا نِكَاحُ الثَّانِي لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ تَعُودُ السِّلْعَةُ إلَى صَاحِبِهَا، وَالْمَرْأَةُ إلَى يَدِ نَفْسِهَا.
وَيُعَاقَبُ الثَّانِي بِأَنْ يَبْطُلَ عَقْدُهُ مُنَاقَضَةً لِقَصْدِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَنْعِ الْقَاتِلِ الْمِيرَاثَ، وَنَظِيرُ تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ، فَإِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْمَالِ زَالَ حَقِيقَةً عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمُطَلِّقِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي انْتِقَالِ الْمَالِ إلَى الْقَاتِلِ، وَمَنْعِ مِيرَاثِ الْمُطَلِّقَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَثْنَاءِ أَقْسَامِ الْحِيَلِ، مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ رَجُلًا لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ وَبَيَّنَّا وَجْهَ تَحْرِيمِهَا عَلَى هَذَا الْقَاتِلِ مَعَ حِلِّهَا لِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ كَذَلِكَ هُنَا يَحْرُمُ شِرَاءُ الْعَيْنِ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى هَذَا الْمُتَسَبِّبِ فِي ذَلِكَ مَعَ حِلِّهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَضُرُّ هَذَا بِاَلَّذِي فَسَخَ الْبَيْعَ، لَكِنَّ هَذَا جَزَاءُ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً، لَكِنْ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعِينَ هَذَا عَلَى مَا طَلَبَهُ فَإِنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقَالَةُ فَكَيْفَ الْمَرْأَةُ الْمَنْهِيَّةُ عَنْ الِانْتِزَاعِ وَالِاخْتِلَاعِ.
وَمِمَّا هُوَ كَالْبَيْعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إجَارَتُهُ عَلَى إجَارَةِ أَخِيهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْتَقِلًّا فِي دَارِهِ حَانُوتٌ أَوْ مُزْدَرَعٌ، وَأَهْلُهُ قَدْ رَكَنُوا إلَى أَنْ يُؤَجِّرُوهُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَسْتَأْجِرُ عَلَى إجَارَتِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُ بِذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْبَيْعِ غَالِبًا، وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّيًا وِلَايَةً أَوْ مَنْزِلًا فِي مَكَان يَأْوِي إلَيْهِ أَوْ يَرْتَزِقُ مِنْهُ، فَيَطْلُبُ آخَرُ مَكَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَتَسَبَّبَ إلَى فُرْقَتِهِ مِثْلَ أَنْ تُبَالِغَ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ مِنْهُ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ لَسْت أَعْنِي أَنَّهَا تَتْرُكُ وَاجِبًا تَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ، أَوْ تَفْعَلُ مُحَرَّمًا تَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، لَكِنْ غَيْرَ ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالصَّدَاقِ جَمِيعِهِ، لِيَفْسَخَ أَوْ يَحْبِسَ أَوْ