الشَّرْطِ لِيَتَمَكَّنَ الْآخَرُ مِنْ الْفَسْخِ، وَإِلَّا فَبَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ لَا يُؤَثِّرُ هَذَا الْقَوْلُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْجَامِعِ، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قُدَمَاءُ أَصْحَابِنَا فَأَطْلَقُوا الْبَيْعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِهَذَا الْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فَسَخَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِهَذَا الْخِيَارِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ أَيْضًا مُطْلَقٌ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا أَجْوَدُ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يُمْكِنُهُ الْفَسْخُ بِأَسْبَابٍ غَيْرِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ مِثْلِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَالْخَلْفِ فِي الصِّفَةِ وَالْغَبْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يُرِيدُ الْفَسْخَ فَإِذَا جَاءَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَرَغْبَتُهُ فِي أَنْ يَفْسَخَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ، كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَحَدَهُمَا فَسْخُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِيءُ إلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ قَايِلْ هَذَا الْبَيْعَ وَأَنَا أَبِيعُك؛ فَيَحْمِلُهُ عَلَى اسْتِقَالَةِ الْأَوَّلِ، وَالْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ فِي الْمُقَايَلَةِ فَيُجِيبُهُ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ كَثِيرًا إنْ لَمْ يَخْدَعْهُ خَدِيعَةً تُوجِبُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ تَحْرِيمًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ، وَمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُسْتَقَالُ غَيْرَ رَاضٍ فَلَا يُبَارَكُ لِلْمُسْتَقِيلِ، كَاَلَّذِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْيَاءَ فَيُعْطِيهِمْ إيَّاهَا، فَيَخْرُجُ بِهَا أَحَدُهُمْ يَتَأَبَّطُهَا نَارًا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، فَيَكُونُ الْمُعْطِي مُثَابًا وَالسَّائِلُ مُعَاقَبًا وَهَذَا بَيْعٌ حَقِيقَةً عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَهُوَ وَاقِعٌ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ مَا نَهَى عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا» ، فَمَسْأَلَةُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيلَهُ الْبَيْعَ لِيَبِيعَهَا الْبَائِعُ لِغَيْرِهِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ الْبَائِعِ اسْتَقِلْ الْمُشْتَرِي هَذَا الْبَيْعَ لِتَبِيعَهُ لِهَذَا.

كَمَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ سَلِي هَذَا الْخَاطِبَ أَنْ يُطَلِّقَ تِلْكَ لِيَتَزَوَّجَك، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَتَقُولُ إذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَرَّمَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَأَنْ يَسْتَامَ عَلَى سَوْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُزَاحَمَةِ الْمُخْرِجَةِ لَهُ عَمَّا قَدْ وَعَدَ بِهِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ نَكَحَ عَلَى نِكَاحِ أَخِيهِ، بِأَنْ يَقُولَ لِلْمَرْأَةِ طَلِّقِي هَذَا الرَّجُلَ وَأَنَا أَتَزَوَّجُك؛ أَوْ أُزَوِّجُك فُلَانًا، إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَفْسَخَ النِّكَاحَ بِأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِأَمْرٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015