ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ مُتَقَدِّمٌ فَلِمَ قِيلَ إنَّ الْفَرْقَ مُؤَثِّرٌ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى كَوْنِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ فَاسِدَةٌ لَا تُفَرِّقُ، وَالْفِعْلُ الْمُحَرَّمُ يَتَضَمَّنُ مَفْسَدَةً، فَتَصْحِيحُهُ يَقْتَضِي إيقَاعَ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَمَعْصِيَةُ اللَّهِ فَسَادٌ لَا صَلَاحَ فِيهَا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَنْهَى عَنْ الصَّلَاحِ، وَهَذَا الْعَقْدُ هُنَا مُسْتَلْزِمٌ لِوُجُودِ الْمَفْسَدَةِ، وَهُوَ إضْرَارُ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا فِي نَفْسِهَا غَيْرُ مُسْتَلْزِمَةٍ لِرُكُوبٍ وَلَا مَشْيٍ، وَنَقُولُ أَيْضًا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِحَقِّ عِبَادِهِ، إذْ الْأَدِلَّةُ لَا تُفَرِّقُ وَنَقُولُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالنَّهْيُ هُنَا لِمَعْنًى فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْأَوَّلِ بِالْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ تَقَدُّمَ خُطْبَتِهِ وَبَيْعِهِ حَقًّا لَهُ مَانِعًا مِنْ مُزَاحِمَةِ الثَّانِي لَهُ؛ كَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَجَاءَ آخَرُ يُزَاحِمُهُ؛ وَصَارَ هَذَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ؛ وَإِذَا كَانَ سَبَبُ النَّهْيِ تَعَلُّقَ حَقٍّ لِلْأَوَّلِ بِهَذِهِ الْعَيْنِ فَإِذَا أُزِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا فِي الْحِلِّ الْمُزِيلِ، فَإِنَّهُ كَالْقَاتِلِ لِمَوْرُوثِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَزَالَ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمَوْرُوثِ بِالْمَالِ بِفِعْلِهِ الْمُحَرَّمِ، لَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا الزَّوَالُ فِي الْحِلِّ لَهُ وَلِهَذَا لَا يُبَارَكُ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ قَطَعَ حَقَّ غَيْرِهِ عَنْهُ بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ، ثُمَّ اقْتَطَعَهُ لِنَفْسِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَقْسَامِ الْحِيَلِ تَنْبِيهٌ عَلَى هَذَا النَّوْعِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَيَسْتَامَ عَلَى سَوْمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِهِ، فَإِنَّ الْخَاطِبَ وَالْمُسْتَامَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا حَقٌّ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُمَا رَغْبَةٌ وَوَعْدٌ بِخِلَافِ الَّذِي قَدْ بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ فَإِنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَلَى السِّلْعَةِ أَوْ الثَّمَنِ، فَإِذَا تَسَبَّبَ الثَّانِي فِي فَسْخِ هَذَا الْعَقْدِ كَانَ قَدْ زَالَ حَقَّهُ الَّذِي انْعَقَدَ، وَهَذَا يُؤَثِّرُ مَا لَا يُؤَثِّرُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ مَتَى اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ حَقِّ غَيْرِهِ بَطَلَ كَرُجُوعِ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُرْتَهِنٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ ذِي جِنَايَةٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَعَلُّقِ رَغْبَةِ الْغُرَمَاءِ بِالسِّلْعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ رُجُوعَ الْبَائِعِ وَفِي رُجُوعِ الْوَاهِبِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْإِنْسَانِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا أَنَا أَبِيعُك مِثْلَ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ، وَأَبِيعُك خَيْرًا مِنْهَا بِمِثْلِ هَذَا الثَّمَنِ، فَيَفْسَخَ الْمُشْتَرِي بَيْعَ الْأَوَّلِ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ ابْتِيَاعُهُ عَلَى ابْتِيَاعِ أَخِيهِ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ رَجُلًا شَيْئًا أَنَا اشْتَرِيهِ مِنْك بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015