الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُك حَتَّى أَرَاك مُجَرَّدًا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ عَلَى الْجُمُعَةِ عَلَى دَابَّةٍ مَغْصُوبَةٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، قَالُوا وَلَوْ خَطَبَهَا فِي الْعِدَّةِ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَقْدِ.

الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَمْ يَقْدَحْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَبُيُوعِ الْغَرَرِ وَالرِّبَا، وَالْمَعْنَى لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَوْ رَضِيَ بِالْعَقْدِ لَصَحَّ كَالْخَاطِبِ الْأَوَّلِ هُنَا، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِلثَّانِي جَازَ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ إذَا كَانَ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ أَمْكَنَ أَنْ يَزُولَ بِرِضَاهُ، وَلَوْ فِيمَا بَعْدُ، فَلَمْ يَكُنْ التَّحْرِيمُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا جَوَّزَ فِي مَوَاضِعَ التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ بِحَقِّ اللَّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، لَا سَبِيلَ إلَى حِلِّهَا بِحَالٍ، فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ فِي الْعَقْدِ.

وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَبَيْنَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ أَيْضًا.

الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ، وَلَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي بَيْعِ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ بَيْعِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ، وَبَيْعِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْهُمَا، وَهُوَ الضَّرَرُ الَّذِي لَحِقَ الْخَاطِبَ وَالْمُسْتَامَ أَوَّلًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَيُصَحِّحُ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ بِنَاءً عَلَى هَذَا، وَمَنْ يَنْصُرُ الْأَوَّلَ يَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ مُقَارَنًا لِلْعَقْدِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَعَنْ أَنْ يَبْتَاعَ أَيْضًا» ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ نَفْسِ الْعَقْدِ، «وَنَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» .

مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ بِالنَّهْيِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا «نَهَى عَنْ قُرْبَانِ مَالِ الْيَتِيمِ» كَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَخْذِهِ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ مُقَدِّمَاتِ الْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ عَيْنِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْعَقْدَ، وَلَا الْخِطْبَةَ، وَكَذَلِكَ فِي رُؤْيَتِهِ مُتَجَرِّدًا قَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ الْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ عَلَى حِمَارٍ مَغْصُوبٍ فَإِنَّ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ انْتَقَضَتْ أَسْبَابُهَا، وَهَذَا سَبَبُ التَّحْرِيمِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَإِنَّ عَوْدَهَا إلَيْهِ مُمْكِنٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015