يَبِيعَ الرَّجُلَ سِلْعَتَهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَيَنْوِيَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ بَاعَهَا فِيمَا بَعْدُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ إنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِهَا. أَوْ يَنْوِيَ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ تَزَوَّجَ بِهَا، فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَذَا الْعَقْدِ وَلَا بِفَسْخِهِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ لَهَا إنْ رُفِعَ الْعَقْدُ أَوْ قَصَدَ صَاحِبُهُ رَفْعَهُ.
فَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، فَإِنَّهَا إذَا مَلَّكَتْ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ كَانَتْ رَاغِبَةً أَوْ غَيْرَ رَاغِبَةٍ إذَا لَمْ تُسَبِّبْ فِي الْفُرْقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِيَدِهَا فُرْقَةٌ، لَكِنْ لَهَا فِي هَذَا الْعَقْدِ مَعَ نِيَّةِ مُرَاجَعَةِ الْأَوَّلِ ثَلَاثُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهَا لِلْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهَا لِلْمُقَامِ مَعَ الْأَوَّلِ، لَكِنْ تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَبَّ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ هَذَا فَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهَا لِنِكَاحِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ لَا يَكُونَ لَهَا مَحَبَّةٌ لِنِكَاحٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنْ تَرَى أَنَّهُمَا أَصْلَحُ لَهَا مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِذَا فَارَقَهَا أَحَدُهُمَا آثَرَتْ الْآخَرَ فَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهَا لِلْأَوَّلِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِي. فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلِّقِ الَّذِي يُحِبُّ عَوْدَهَا إلَيْهِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي كَرِهَهَا بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَهِيَ حَالُ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، وَلِذَلِكَ رَخَّصَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِيهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ وَالْمُطَلِّقُ لَا يُلَامَانِ عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ، كَمَا لَا يُلَامُ الزَّوْجُ عَلَى مَحَبَّةِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْأُخْرَى إذَا عَدَلَ بَيْنَهُمَا، فِيمَا يَمْلِكُهُ، ثُمَّ إنْ كَرِهَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ مِنْ نَفْسِهَا لِكَوْنِهَا مُتَطَلِّعَةً إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُطَلِّقُ إنْ كَرِهَ مِنْ نَفْسِهِ تَطَلُّعَهُ إلَى زَوْجَةِ الْغَيْرِ كَانَتْ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ عَمَلًا صَالِحًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَكْرَهْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ وَلَمْ تَرْضَ بِهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَإِنْ رَضِيَ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى بِقَلْبِهِ مَعَ طَبْعِهِ حُصُولَ مُوجِبِهَا وَيَوَدُّ أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فُرْقَةٌ لِيَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، وَتَتَمَنَّى الْمَرْأَةُ أَنْ لَوْ طَلَّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ أَوْ فَارَقَهَا لِتَعُودَ إلَى الْأَوَّلِ، وَعَقْلُهَا مُوَافِقٌ لِطَبْعِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمْنِيَّةِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَمَنِّي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ بَغِيضٌ إلَى اللَّهِ، وَقَدْ تَتَضَمَّنُ تَمَنِّي ضَرَرِ الزَّوْجِ وَهُوَ مَظِنَّةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ مَعَ مَنْ بَغَضَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ، لَكِنَّهَا لَوْ أَحَبَّتْ أَنْ يَقْذِفَ اللَّهُ فِي قَلْبِ الزَّوْجِ الزُّهْدَ فِيهَا بِحَيْثُ