عُسَيْلَتَهُ، فَطَلَّقَهَا وَلَمْ تَذُقْ الْعُسَيْلَةَ»
أَوْ أَنَّهَا لَمَّا ادَّعَتْ عَدَمَ الْوَطْءِ كَانَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ فَلَمْ تُجْعَلْ حَلَالًا بِدَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ وَطِئَهَا إذَا كَانَتْ هِيَ مُعْتَرِفَةً بِمَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، لَكِنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُعْرِضًا عَنْهَا.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي دَعْوَاهُ إمَّا التَّمْكِينَ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ فِعْلَ الْوَطْءِ فَعَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَكُونُ قَدْ جَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ جَاءَتْهُ بَعْدَهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إمَّا أَنَّهُ كَانَ مُعْتَرِضًا عَنْهَا كَمَا أَخْبَرَتْ أَوْ كَانَتْ نَاشِزًا عَنْهُ كَمَا أَخْبَرَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ التَّامَّةِ فِي مُرَاجَعَةِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا تَكُونُ قَدْ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ جَاءَتْ الْخَلِيفَتَيْنِ وَمَنْ يَصْدُرُ عَنْهَا مِثْلُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حِرْصُهَا عَلَى مُرَاجَعَتِهَا حِينَ الْعَقْدِ.
فَأَقَلُّ مَا قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا أَنْ يُقَالَ لَهَا إنْ كُنْت وَقْتَ الْعَقْدِ كُنْت مُرِيدَةً لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَرْجِعِي إلَيْهِ بِحَالٍ، فَلَمَّا لَمْ يُفَصِّلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ ظُهُورِ هَذَا الْقَرَارِ عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تُحِبُّ مُرَاجَعَةَ الْأَوَّلِ، فَالْمَرْءُ لَا يُلَامُ عَلَى الْحُبِّ وَالْبُغْضِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي زَوْجِهَا وَتُحْسِنَ مُعَاشَرَتَهُ وَتَبْذُلَ حَقَّهُ غَيْرَ مُتَبَرِّمَةٍ وَلَا كَارِهَةٍ، فَإِذَا نَوَتْ هَذَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَقَدْ نَوَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا. فَإِذَا نَوَتْ فِعْلَ مَا لَا يَحِلُّ مِمَّا لَا يُوجِبُ طَلَاقَهَا فَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا، وَأَمَّا اخْتِلَاعُ الْمَرْأَةِ وَانْتِزَاعُهَا مِنْ بَعْلِهَا فَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا نِيَّةُ الْمَرْأَةِ أَوْ الْمُطَلِّقِ لَا تُؤَثِّرُ: فَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ مِنْ إفْسَادِ حَالِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ تَظُنُّ أَنْ تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مَعَهُ. وَتَعْتَقِدُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ. وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُطَلِّقْ أَطَاعَتْهُ وَلَمْ تَنْشُزْ عَنْهُ.
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُظْهِرُ بَيَانَ حَالِ الْمَرْأَةِ فِي النِّيَّةِ، وَهِيَ مَرَاتِبُ: الْأُولَى: أَنْ تَنْوِيَ أَنَّ هَذَا الزَّوْجَ الثَّانِيَ إنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ فَارَقَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ تَزَوَّجَتْ بِالْأَوَّلِ، أَوْ يَنْوِيَ الْمُطَلِّقُ ذَلِكَ أَيْضًا فَيَنْوِيَ أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ إنْ طَلَّقَهَا أَوْ فَارَقَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ تَزَوَّجَهَا، فَهَذَا قَصْدٌ مَحْضٌ لِمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَذَا الْقَصْدِ فِعْلٌ مِنْهَا فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا نَوَتْ أَنْ تَفْعَلَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ إذَا أَبَاحَهُ اللَّهُ فَقَدْ قَصَدَتْ فِعْلًا لَهَا مُعَلَّقًا عَلَى وُجُودِ الْفُرْقَةِ، وَصَارَ هَذَا مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا إنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا تَزَوَّجَهَا، أَوْ تَنْوِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ تَطْلُقْ أَنَّهَا إنْ فَارَقَهَا هَذَا الزَّوْجُ تَزَوَّجَتْ بِفُلَانٍ، أَوْ