يُفَارِقُهَا بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ، فَهَذَا أَخَفُّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ فِعْلٌ مِنْهَا فِي الْفُرْقَةِ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي.

الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ تَسَبَّبَ إلَى أَنْ يُفَارِقَهَا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ غَيْرِ الِاخْتِلَاعِ، وَلَا خَدِيعَةٍ تُوجِبُ فِرَاقَهَا مِثْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ أَنْ يَخْلَعَهَا، وَتَبْذُلَ لَهُ مَالًا عَلَى الْفُرْقَةِ أَوْ تُظْهِرَ لَهُ مَحَبَّتَهَا لِلْأَوَّلِ أَوْ بُغْضَهَا الْمُقَامَ مَعَهُ حَتَّى يُفَارِقَهَا، فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الِانْتِزَاعِ وَالِاخْتِلَاعِ مِنْ الرَّجُلِ، فَنَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَخَافُ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ جَازَ لَهَا الِاخْتِلَاعُ، وَإِلَّا نُهِيَتْ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْوِ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَهِيَ كَسَائِرِ الْمُخْتَلِعَاتِ يَصِحُّ الْخُلْعُ وَيُبَاحُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مَقْصُودُهَا مُجَرَّدَ فُرْقَتِهِ. وَهُنَا مَقْصُودُهَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَخْتَلِعُ مِنْ زَوْجِهَا لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْعَقْدِ تَنْوِي أَنْ تَتَسَبَّبَ إلَى الْفُرْقَةِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ فَهَذِهِ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الَّتِي حَدَثَ لَهَا إرَادَةُ الِاخْتِلَاعِ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» .

فَاَلَّتِي تَخْتَلِعُ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، لَا لِكَرَاهَتِهِ أَشَدُّ وَأَشَدُّ، وَمَنْ كَانَتْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ تُرِيدُ أَنْ تَخْتَلِعَ وَتَنْتَزِعَ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، فَهِيَ أَوْلَى بِالذَّمِّ وَالْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ غَارَّةٌ لِلرَّجُلِ مُدَلِّسَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَتَسَبَّبَ فِي فُرْقَتِهِ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا، فَكَيْفَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَرَضَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الَّتِي حَدَثَ لَهَا الِانْتِزَاعُ، فَإِنَّهَا لَمْ تَخْدَعُهُ وَلَمْ تَغُرَّهُ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخِلَابَةِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ الْخِلَابَةِ، وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ.

وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا يَجِبُ إدْخَالُهَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ فِي مُطْلَقِ نِيَّةِ الْمَرْأَةِ وَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَنْوِيَ اخْتِلَاعًا مِنْ الثَّانِي لِتَتَزَوَّجَ الْأَوَّلَ، فَإِنَّ هَذَا نِيَّةُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ لَوْ حَدَثَ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ نِيَّةٌ مَكْرُوهَةٌ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاخْتِلَاعِ الْمُطْلَقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَأَمَّا إذَا قَارَنَ الْعَقْدَ فَتَحْرِيمُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ رَغْبَتَهَا فِي النِّكَاحِ وَقَصْدَهَا لَهُ، وَالزَّوْجَةُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِذَا قَصَدَتْ بِالْعَقْدِ أَنْ تَسْعَى فِي فَسْخِهِ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مَقْصُودًا، بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَتْ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ تَزَوَّجَتْ الْأَوَّلَ، وَتَحْرِيمُ هَذَا أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ نِيَّةِ الرَّجُلِ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ التَّحْرِيمُ أَشَدُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ، فَقَدْ نَوَى شَيْئًا يَمْلِكُهُ، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ نَوَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015