فَلَمَّا لَمْ يَعُفَّهَا، هَاجَ الْحُبُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَآخَرَ لَعَلَّهُ يَعُفُّهَا وَتُسَلَّى بِهِ، فَلَمَّا لَمْ تَتَزَوَّجْ إلَّا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُرِيدَةً لَأَنْ يُحْلِلَهَا لِلْأَوَّلِ، عَسَى أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ سَبَبٌ تَطْلُبُ بِهِ فِرَاقَهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا قَبْلَ الطَّلَاقِ،
فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَتَتْ عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إلَيْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ مَا رَأَيْت مَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا، قَالَ وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ مِنْ غَيْرِهَا، فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا لِي إلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا أَنَّ مَا بِهِ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا، فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّينَ لَهُ، وَلَمْ تَصْلُحِينَ لَهُ، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك، قَالَ وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ أَبَنُوك هَؤُلَاءِ، قَالَ نَعَمْ، قَالَ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ فَوَاَللَّهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُرْسَلًا عَنْ بِنْدَارٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَوَهْبٌ عَنْ أَيُّوبَ مُرْسَلًا، وَقَدْ أَسْنَدَهُ سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ فَقَالَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ «قَالَ جَاءَتْ الْغُمَيْصَاءُ أَوْ الرُّمَيْصَاءُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْكُو زَوْجَهَا، وَتَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهَا، فَمَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا فَزَعَمَ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ وَلَكِنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَك ذَلِكَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك رَجُلٌ غَيْرَهُ»
فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخِيهِ «أَنَّهَا شَكَتْ زَوْجَهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَزَعَمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَطَلَبَتْ فُرْقَتَهُ لِذَلِكَ، فَكَذَّبَهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا بِهَا مُرَاجَعَةُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهَا نَاشِزٌ غَيْرُ مُطِيعَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَحِلِّينَ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك، يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي قَادِرٌ عَلَى وَطْئِهَا وَجِمَاعِهَا وَأَنْ أَنْفُضَهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ لَكِنَّهَا نَاشِزٌ لَا تُمَكِّنُنِي، فَإِنَّهَا تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَحِلِّينَ لَهُ حَتَّى تَذُوقِي