عَنْهَا فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ مَحْمَلُ النِّزَاعِ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُتَخَلِّفًا عَنْهَا وِفَاقًا كَانَتْ مُنْتَقِضَةً وِفَاقًا.
وَتَخْلِيصُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ إلَّا بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَهُ، فَإِذَا اسْتَدَلَّ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَ مُنَاظِرِهِ دُونَهُ كَانَ حَاصِلُهُ إظْهَارَ مُنَاقَضَةِ الْمُنَاظِرِ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ اسْتِدْلَالًا وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِرَاضٌ فِي الْمَعْنَى، فَأَمَّا الْمُعْتَرِضُ فَاعْتِرَاضُهُ إنْ كَانَ مَنْعًا فَلَيْسَ هُوَ إلْزَامًا، وَإِنْ كَانَ مُعَارَضَةً فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَارِضَ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ وَلَيْسَ دَلِيلًا عِنْدَهُ إذَا كَانَ هُوَ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي النَّقْضِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَيْضًا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، وَقَدْ عَارَضَهُ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ دُونَهُ فَحَاصِلُهُ يَرْفَعُ إلَى مُنَاقَضَةِ الْمُسْتَدِلِّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَكِلَاهُمَا مَخْصُومٌ، أَمَّا الْمُسْتَدِلُّ فَاسْتَدَلَّ بِدَلِيلٍ مُعْتَرَضٍ عَنْ مُرَجَّحٌ، وَأَمَّا الْمُعْتَرَضُ فَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارَضِ الْمُقَاوَمِ. وَمِنْ ذَلِكَ صُوَرُ الْوَكَالَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَيْت مُقْتَضَاهُ الِاشْتِرَاءُ لَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِهِ إلَى نِيَّةٍ، ثُمَّ إذَا نَوَى الشِّرَاءَ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِشَرِيكِهِ صَحَّ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَاهُ لِغَيْرِ مُوَكِّلِهِ عَلَى خِلَافٍ مَشْهُورٍ، وَقَوْلُ الْمُعْتَرِضِ إنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَيْت مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الِاشْتِرَاءِ لَهُ وَلِمُوَكِّلِهِ غَلَطٌ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي الشِّرَاءِ لَهُ مُحْتَمِلٌ لِلشِّرَاءِ لِمُوَكِّلِهِ، وَرُبَّمَا قَدْ يُنَازِعُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِظُهُورِ الشِّرَاءِ لِلْمُوَكِّلِ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، فَنَنْقُلُ الْكَلَامَ إلَى شِرَاءِ الْوَلِيِّ مِثْلَ وَصِيِّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَشِرَاءِ الِابْنِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الْعَقْدِ يَقْتَضِي الشِّرَاءَ لِنَفْسِ الْمُشْتَرِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالنِّيَّةُ الْبَاطِنَةُ تَعْمَلُ فِي مُقْتَضَى هَذَا السَّبَبِ الظَّاهِرِ، وَلَا يَدَّعِي أَحَدٌ أَنَّ اللَّفْظَ هُنَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ، بَلْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ هُنَا الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ مُقْتَضَى لَفْظِ النِّكَاحِ هُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الشَّرْعِيُّ، ثُمَّ هُنَا إذَا نَوَى الشِّرَى لِمُوَلِّيهِ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي مُقْتَضَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ هُنَاكَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الْمَنْوِيَّ هُنَاكَ جَائِزٌ وَهُنَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ نَوَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَهُنَا نَوَى أَنْ يَكُونَ مُحَلِّلًا وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ النِّيَّةِ تُؤَثِّرُ فِي مُقْتَضَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مُؤْثَرَةٌ بِحَسَبِهَا إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا، وَهَذَا الْفَرْقُ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِنْ خُصُوصِ الْمَنْوِيِّ، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ النِّيَّاتِ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ فِي كَوْنِهَا نِيَّةً فَلَا بُدَّ أَنْ تَفْتَرِقَ فِي مُتَعَلَّقَاتِهَا.