إذَا تَبَيَّنَ هَذَا: فَقَوْلُهُ النِّيَّةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ إنْ عَنَى بِهِ الِاحْتِمَالَ الْمُسَاوِيَ لِصَاحِبِهِ، فَلَيْسَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْعَقْدِ لِلْمُوَلِّي وَالْمُوَكِّلِ مُسَاوِيًا، فَلَا يَصِحُّ كَلَامُهُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ مُطْلَقَ الِاحْتِمَالِ الْمُسَاوِي أَوْ الْمَرْجُوحِ، فَهَذَا لَا يُخْرِجُ اللَّفْظَ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الظَّاهِرَةِ.
وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَدْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ فِي كُلِّ لَفْظٍ مُحْتَمَلٍ. وَنَفْيُ عَمَلِهَا فِي الظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ وَهُوَ كَلَامٌ مُتَهَافِتٌ. وَإِنْ عَنَى بِالصَّرِيحِ النَّصَّ فَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ. فَإِنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ظَوَاهِرُ فِيهِ تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَيْسَتْ نُصُوصًا ثُمَّ مَعَ هَذَا لَا يَنْفَعُهُ هَذَا الْكَلَامُ. فَإِنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ، وَلِهَذَا يُقَالُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ. وَيُقَالُ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ.
وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ مَجَازٌ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ اللَّفْظَ عَنْ أَنْ يَكُونَ نَصًّا إلَى أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا وَهُوَ مَدْخَلٌ لِلَّفْظِ النِّكَاحِ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْرِيرِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ دَاخِلًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي الصَّرِيحَ بَلْ فِي الْأَوَّلِ؛ صَارَ الْكَلَامُ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ. وَكَذَلِكَ هُوَ فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذِهِ الْأَسْئِلَةِ رَدَّ بِهَا كَلَامَ مَنْ احْتَجَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ لِلنِّيَّةِ تَأْثِيرًا فِي الْعُقُودِ كَعَقْدِ التَّوْكِيلِ وَنَحْوِهِ. فَزَعَمَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الصَّرِيحِ. وَأَنَّ الْوَكَالَةَ مِنْ الْمُحْتَمَلِ وَالنِّكَاحَ مِنْ الصَّرِيحِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. فَأَيُّ تَفْسِيرٍ فَسَّرَ الْمُحْتَمَلَ وَالصَّرِيحَ دَخَلَ فِيهِ الْقِسْمَانِ جَمِيعًا. وَهَذَا تَوْكِيدٌ لِلْحُجَّةِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعِ فَجَوَابُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ النِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ تَنْقَسِمُ إلَى مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ إلَى غَيْرِ مُؤَثِّرٍ. كَمَا أَنَّ الشُّرُوطَ تَنْقَسِمُ إلَى مُؤَثِّرٍ وَغَيْرِ مُؤَثِّرٍ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ يُنَافِي مُوجَبَ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ الصَّدَاقِ كَانَ بَاطِلًا. وَإِذَا لَمْ يُنَافِهِ كَاشْتِرَاطِ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ أَوْ الْعَاقِدِ لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ إذَا كَانَتْ مُنَافِيَةً لِمُوجَبِ الْعَقْدِ أَوْ لِمُقْتَضَى الشَّرْعِ كَانَتْ مُؤَثِّرَةً، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً لَمْ تُؤَثِّرْ فَمَنْ نَوَى بِالشِّرَى الْقُنْيَةَ أَوْ التِّجَارَةَ لَمْ يَخْرُجْ بِهَذِهِ النِّيَّةِ عَنْ مُقْتَضَى الْبَيْعِ. بِخِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ أَمَّا مَنْ قَصَدَ أَنْ يَعْقِدَ لِيَفْسَخَ لَا لِغَرَضٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَصَدَ مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهَذَا قَصَدَ مَا يُنَافِي الْعَقْدَ وَالشَّرْعَ. فَكَذَلِكَ أَثَّرَ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ حَيْثُ لَا