كَانَ زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَإِذَا أَوْصَى بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيضَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى بِنَصِيبٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ وَلَهُ ابْنَانِ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَلَوْ أَثْبَتَ لَفْظَ مِثْل فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ وَبِذَلِكَ نَقُولُ فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا سَقَطَ لَفْظُ مِثْل وَفَرَّعْنَا عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَيْ: وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ أَوْلَادَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُمْ بِهِ الثُّلُثَ بِالْمَعْنَى الْآتِي وَعَنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ سُؤَالٌ قَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالنِّصْفِ وَالْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَذْفِ لَفْظَةِ مِثْلَ وَإِثْبَاتِهَا إلَّا فِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ جِدًّا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهَهُنَا الْمَحْكِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ ابْنٍ ثَانٍ، أَوْ ثَالِثٍ فَمَا السَّبَبَ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالصَّحِيحُ فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَنَّ أَوْلَادَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا أَوْصَى لَهُمْ بِالرُّبُعِ بِالْمَعْنَى الْآتِي اهـ.
كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِبُطْلَانِ الْإِفْتَاءِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بِالْخُمُسَيْنِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ أَخِيرًا مِنْ الْإِشْكَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ حِكَايَةِ أَبِي مَنْصُورٍ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ تِلْكَ الْحِكَايَةَ مَمْنُوعَةٌ فَلَا إشْكَالَ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ مَا يَتَّضِحُ بِهِ رَدُّ كَلَامِ أَبِي مَنْصُورٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا فَرَاجِعْهُ. (الْمَبْحَثُ الثَّانِي) أَنَّا إذَا جَعَلْنَا لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الرُّبُعَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ الثُّلُثَ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي إِسْحَاقَ أَوْ عِنْدَ حَذْفِ لَفْظَةِ مِثْل عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُور فَهَلْ مَعْنَاه مِنْ أَصْلِ الْمَالِ أَوْ هُوَ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ التُّسْعَيْنِ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ أَنَّ الْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ الثَّانِي وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا إنَّمَا يَأْخُذُ نَصِيبَهُ بَعْدَ التُّسْعَيْنِ فَالْمُشَبَّهُونَ بِهِ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَكَانَ هَذَا الشَّخْصُ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِتُسْعَيْ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِنَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ وَمَنْ تَخَيَّلَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ حَادَ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ الْفُرُوعِ الشَّاهِدَةِ لِمَا قَرَّرْته فَلَمْ أَحْتَجْ إلَى نَقْلِ ذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ.
(الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ) أَنَّا إذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ التُّسْعَيْنِ فَهَلْ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى النِّسْبَةِ أَوْ يُدْفَعُ لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ تُسْعَا الْمَالِ وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ التُّسْعُ لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْحَقُّ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ أَنَّا نُقَسِّمُ الثُّلُثَ عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى النِّسْبَةِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو وَبِنِصْفِ أَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ وَحَصَلَ رَدٌّ أَنْ لَا يُدْفَعَ لِعَمْرٍو شَيْءٌ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ لَوْ كَانَ أَوْصَى لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ عِنْدَ الرَّدِّ وَهَذَا بَاطِلٌ وَلِوُضُوحِ بُطْلَانِهِ لَمْ أَحْتَجْ إلَى نَقْلِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الدَّالِّ عَلَى مَا قَرَّرْت أَنَّهُ الْحَقُّ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى.
(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) أَنَّا هَلْ نَعْتَبِرُ عَدَدَ أَوْلَادِ الْمُوصِي حَالَةَ الْوَصِيَّةِ أَوْ حَالَةَ الْمَوْتِ هَذَا مِمَّا لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْ صَدَرَتْ مِنْهُ بِنَصِيبِ أَحَدِ أَبْنَائِهِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا اُعْتُبِرَ الْعَدَدُ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب زَيْدٍ وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَثَلًا فَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ وَعَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَتُنَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَرَتْ لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا وَذَلِكَ مَجْهُولٌ حَالَ الْوَصِيَّةِ وَالْعَاقِبَةُ أَسْفَرَتْ عَنْ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَكُونُ غَرَضُ الْمُوصِي النَّصِيبَ بِتَقْدِيرِ الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَى مَقْصُودِهِ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ دَائِرٌ مَعَ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظِ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِكَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ وَارِثٍ لَا الْوَصِيَّة وَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا وَارِثًا فَلَوْ أَوْصَى لِأَخٍ لَا يَرِثُهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ ابْنٌ كَانَتْ وَصِيَّةً لِغَيْرِ وَارِثٍ أَوْ عَكْسَهُ كَانَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا عِلْمَ الْمَيِّتِ وَلَا أَدَارُوا عَلَيْهِ حُكْمًا هُنَا فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ هُنَا إذَا تَعَمَّدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا لِلْوَارِثِ حَالَةَ الْمَوْتِ دُونَ الْوَصِيَّةِ