الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ أَحْمَدَ أَعْلَم هَذِهِ الْأُمَّةِ وَشِهَابهَا الَّذِي يُزِيل عَنْهَا مِنْ دُجَى الْإِشْكَال كُلّ ظُلْمَة وَنَيِّرهَا الْوَقَّاد الَّذِي يُجْلِي بِفُتْيَاهُ ظُلْم الْمَسَائِل الْمُدْلَهِمَّة وَيُبَيِّن الصَّوَاب مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهَا عَلَيْنَا غُمَّة نَحْمَدهُ حَمْد مَنْ نَالَ مِنْ الْعُلُوم أَوْفَر نَصِيب وَنَشْكُرهُ شُكْر مَنْ اجْتَهَدَ فِيهَا وَكَانَ فِي اجْتِهَاده ذَا سَهْم مُصِيب وَنَشْهَد أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَعْتَدّهَا لِلْجَوَابِ فِي يَوْم السُّؤَال وَنَتَّخِذهَا ذَخِيرَة فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل وَالْحَال وَنَشْهَد أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله الَّذِي لَيْسَ لِمِلَّتِهِ عَلَى طُول الْمَدَى دُرُوس وَلَا لِعُلَمَاء أُمَّته مَزِيَّة إلَّا بِمَحَاسِن الْوُجُوه الْبَادِيَة فِي مُصَنَّفَاتهمْ وَالدُّرُوس صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ عَلِمُوا وَعَلَّمُوا وَتَلْقَوْا شَرِيعَته الْغَرَّاء وَفَهِمُوا مَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا.
(أَمَا بَعْد) فَإِنَّ أَكَابِر الْعُلَمَاء مَا زَالَتْ تُدَوَّن أَقْوَالهمْ وَتُنْقَل أَحْوَالهمْ لَا سِيَّمَا فَتْوَاهُمْ فِي الْعَوِيصَات الَّتِي لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا وَآرَاؤُهُمْ فِي الْمُدْلَهِمَّاتِ الَّتِي لَا يُعَوَّل إلَّا عَلَيْهَا وَاسْتِنْبَاطهمْ فِي الْمُعْضِلَات مَا هُوَ الْحَقّ الصَّرِيح وَالْمَذْهَب الصَّحِيح.
وَكَانَ مِمَّنْ انْتَشَرَتْ فَتْوَاهُ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَجَمًا وَعَرَبًا سَيِّدنَا وَشَيْخنَا الْإِمَام الْعَالِم الْعَلَّامَة الْحَبْر الْبَحْر الْحُجَّة الْفَهَّامَة مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ صَدْر الْمُدَرِّسِينَ بَقِيَّة الْمُجْتَهِدِينَ بَرَكَة بِلَاد اللَّه الْأَمِين أَحْمَدُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ الشَّافِعِيُّ فَسَّحَ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنَا اللَّه بِعُلُومِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَته أَعْظِمْ بِهِ عَالِمًا كَتَبَ الْفَتَاوَى بِقَلَمِهِ فَوَقَّعَ عَنْ الْبَارِي وَأَطْلَعَ كَوَاكِب أَلْفَاظه فِي آفَاقهَا فَقِيلَ هَذِي النُّجُوم الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي فَرُبَّ قَضَايَا لَا يَكْشِف إشْكَالَهَا غَيْرُ فَتْوَاهُ وَأُمُور يَنْحَلُّ الْحَقّ بِبَيَانِهَا وَيُنْتَظَر جَدْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا سِيَّمَا حِينَ اتَّخَذَ مَكَّةَ وَطَنًا وَآثَرَهَا سَكَنًا انْتَشَرَ صِيتُهُ فِي الْآفَاق وَوَقَعَ عَلَى سَعَة عِلْمه وَصِحَّة اسْتِنْبَاطه وَبَاهِر فَهْمِهِ الِاتِّفَاقُ فَقَصَدَهُ الْأَئِمَّة وَغَيْرهمْ بِالْفَتَاوَى مِنْ سَائِر الْأَقَالِيم الْمَشْهُورَة لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ حَدِيث فَضْله عِنْدهمْ مِنْ كُلّ طَرِيق صَحِيحَة مَأْثُورَة كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَحَلَبَ وَبِلَادِ الْأَكْرَادِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالْبَصْرَةِ وَنَجْدٍ وَالْحَسَا وَالْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ وَالسَّوَاحِلِ وبر عَجَم وَحَضْرَمَوْتَ وَالْهِنْدِ وَالسِّنْدِ وَدَلْهَى وَأَعْمَالِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْقَادِمِينَ إلَى الْحَجِّ مِنْ الْبِلَادِ الشَّاسِعَة الْمَهْجُورَة.
فَحِين إذْ رَأَيْت ذَلِكَ وَمَا يَقَع فِي خِلَالِ تِلْكَ الْفَتَاوَى مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَالْمُعْضِلَاتِ الَّتِي مَا سَارَ أَحَدٌ