وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ هِدَايَةً لِلْحَقِّ وَتَوْفِيقًا لِلصَّوَابِ الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ الظَّاهِرِ الْجَلِيِّ حَتَّى عِنْدَ صِغَارِ الطَّلَبَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِشَافِعِيٍّ الْعُدُولُ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ السَّابِقَةِ بِأَقْسَامِهَا الْأَرْبَعَةِ هُوَ السُّبُعَانِ لَا الْخُمُسَانِ وَأَمَّا إفْتَاءُ الْمُفْتِي الثَّانِي بِالْخُمُسَيْنِ فَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكَلَامِ عَلَى جَوَابِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ عَبْسِينَ وَابْنِ مَزْرُوعٍ مِنْ إفْتَائِهِمَا بِذَلِكَ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَنْهُمَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّا إذَا كُنَّا لَا نَنْظُرُ لِمِثْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ كَالسُّبْكِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ إذَا خَالَفُوا الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ تَمَسَّكُوا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَالْفَتَاوَى فَمَا بَالُك بِمِثْلِ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا غُبَارَ هَؤُلَاءِ لَا سِيَّمَا وَمَا اسْتَنَدُوا إلَيْهِ هُنَا فِي الْمُخَالَفَةِ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى ضَعْفِهِ كَمَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ

وَلَقَدْ أُنْهِيَ إلَيْنَا مِنْ فَتَاوَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَضَارِمَةِ مَا عَلِمْنَا مِنْهُ أَنَّهُمْ كَثِيرًا يَمِيلُونَ فِيهَا عَنْ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ إلَى الضَّعِيفِ بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ التَّمَسُّكُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ مَثَلًا وَالْإِفْتَاءُ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَئِمَّتُنَا مُصَرِّحِينَ بِغَايَةِ قُبْحِهِ إلَّا أَنَّنَا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِأُولَئِكَ لِصَلَاحِهِمْ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَبَيَانُ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْنَا لَا رُخْصَةَ لَنَا فِي تَرْكِهِ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ السِّرَاجَ الْبُلْقِينِيُّ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بَلْ عَيَّنَهَا وَلَا يُؤَثِّرُ مَا فِيهَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُعِدٌّ نَفْسَهُ لِلتَّصْنِيفِ وَالْإِفْتَاءِ أَفْتَى فِيهَا بِمَا لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ الْإِفْتَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْخُمُسَيْنِ حَرْفًا بِحَرْفٍ.

وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ هِيَ رَجُلٌ تُوُفِّيَ لَهُ وَلَدٌ يُسَمَّى أَحْمَدُ فَوَصَّى لِأَوْلَادِهِ بِتُسُعَيْ مَا يُخَلِّفُهُ، وَيَتْرُكُهُ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ تُوُفِّيَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَوَصَّى لِأَوْلَادِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا حِينَ وَفَاتِهِ أَيْ: الْمُوصَى ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُوصَى الْمَذْكُورُ وَانْحَصَرَتْ وِرَاثَتُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ فَمَا لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ أَحْمَدَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ مِنْ ذَلِكَ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَأَجَابَ فِيهَا بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ بِمَا نَصُّهُ: " يَكُونُ لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ خُمُسَا الثُّلُثِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ "

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَمَّا وَقَفْت عَلَى هَذِهِ الْفَتْوَى تَعَجَّبْت مِنْ هَذَا الْمُجِيبِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَخَفُّهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ رَدٌّ أَمْ لَا لِأَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا يُقَسَّمُ عَلَى الْوَصَايَا الزَّائِدَةِ إذَا حَصَلَ رَدُّ جَمِيعِ الْوَصَايَا مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ حَالَةَ الرَّدِّ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا إمَّا فِي نَفْسِ السُّؤَالِ وَإِمَّا فِي الْجَوَابِ الثَّانِي وَهُوَ أَعْضَلُهَا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ فِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمًا لَا يُوَافِقهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ خِطَابِهِ أُبَيِّنُ الشُّبْهَةَ الَّتِي خَطَرَ لِي أَنَّهَا قَامَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كُتِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَأَقُولُ اعْتَقَدَ هَذَا الرَّجُلُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ صَدَرَتْ بِثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ أَبَاهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ لَهُ الثُّلُثُ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْ الْوَرَثَةِ غَيْرَ ابْنٍ وَبِنْتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَدَرَتْ بِثُلُثِ الْمَالِ فَكَانَ هَذَا الْمُوصَى أَوْصَى لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ بِتُسْعَيْ مَالِهِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَعَنَا تُسُعَانِ وَثُلُثٌ مَخْرَجُ التُّسْعَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ وَالثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ فِي التِّسْعَةِ فَمَسْأَلَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُمْ بِالتُّسُعَيْنِ سَهْمَانِ صَارَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ خَمْسَةً وَالرَّدُّ حَاصِلٌ فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَيَكُونُ لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ خُمُسَا الثُّلُثِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ اهـ.

مَا خَطَرَ لِي مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي قَامَتْ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ وَلَا شُبْهَةَ وَكَيْفَ يَحْسُنُ أَنْ تَقُومَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ مَنْ تَصَدَّى لِلْفَتْوَى وَالتَّصْنِيفِ وَالِاشْتِغَالِ وَآفَةُ ذَلِكَ عَدَمُ التَّثَبُّتِ وَالْإِهْمَالِ وَعَدَمُ التَّرَوِّي وَالْحَامِلُ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى هَذِهِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ ضَنِينٌ بِنَفْسِهِ، وَيَعْتَقِد أَنَّهُ إذَا فَهِمَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ إلَّا مَا فَهِمَهُ، وَيَضِنُّ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمَهَالِكِ وَالْمَرْجُوُّ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ أَنْ لَا يَكْتُبَ فِي شَيْءٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015