لَهُمْ فَمَنْ كَانَ كَامِلًا حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْخُمُسَيْنِ إنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَقَفَتْ يَمِينُهُ إلَى الْكَمَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَالِفَ مِنْهُمْ تَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْمُوصِي أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِمِيرَاثٍ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ الْمِثْلِ كَمَا فِي أَوْصَيْتُ بِنَصِيبِ ابْنِي، وَأَنَّ قَوْلَهُ: هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَهَذَا تَخَيُّلٌ بَاطِلٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي تَقْدِيرِ الْمِثْلِ، وَعَدَمِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا نَسَبَ الْمِيرَاثَ إلَى أَبِيهِمْ فِي اللَّفْظَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ إذْ ذَاكَ مَيِّتًا لَا مِيرَاثَ لَهُ احْتَجْنَا فِي تَصْحِيحِهِ إلَى تَقْدِيرٍ يَصِحُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقُلْنَا: إنَّ الْمَعْنَى هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِمِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ لَفْظِ الْمِثْلِ فِي الْمِثَالَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرَ حَيَاته لِيَكُونَ وَارِثًا كَانَ الْمُوصَى بِهِ نَظِيرَ نَصِيبِهِ لَا عَيْنَ نَصِيبِهِ كَمَا فِيمَا لَوْ قَالَ: مَنْ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ لِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قُدِّرَتْ حَيَاتُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَالثَّانِي قُدِّرَ وُجُودُهُ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهِ أَعْنِي: فِي صُورَةِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ وَهُوَ مَعْدُومٌ تَكُونُ بِالثُّلُثِ فَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَيِّتِ الْمُقَدَّرِ حَيَاتُهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْتَ فَمَا اللَّفْظُ الَّذِي إذَا تَلَفَّظَ بِهِ الْمُوصِي فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُمْ الْخُمُسَانِ عَلَى مَذْهَبِنَا مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ مِنْ الْوَارِثِ قُلْتُ:
هُوَ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِخُمُسَيْ التَّرِكَةِ مَثَلًا أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ عَمِّهِمْ أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي الْمَوْجُودِ أَوْ ابْنِي مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ بِالْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاق مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِنَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، وَمَا حُكِيَ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ عَبْسِينَ، وَابْنِ مَزْرُوعٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَكُونُ بِخُمُسَيْ التَّرِكَةِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَرْضُ مَا سَأَلَا عَنْهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْمَوْجُودِ فَجَوَابُهُمَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي ذَلِكَ تَكُونُ بِالْخُمُسَيْنِ صَحِيحٌ لِمُوَافَقَتِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُ مَا سُئِلَ عَنْهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ وَلَهُ ابْنٌ ثَانٍ مَيِّتٌ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْمَيِّتِ أَوْ بِمِثْلِ مِيرَاثِهِ فَمَا أَجَابَا بِهِ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخُمُسَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ كَمَا عَرَفْتَ لَكِنَّ اعْتِقَادَنَا أَنَّ جَوَابَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ التَّخْلِيطُ مِنْ الْمُسْتَشْهَدِ بِكَلَامِهِمَا وَقَوْلُ الْمُفْتِي الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا إمَّا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ فِيهِ إخْلَالٌ مِنْ النَّاقِلِ
لِأَنَّ هَذَا لَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ لَهُ ابْنَيْنِ فَقَطْ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا فَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِنِصْفِ الْمَالِ، وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَإِنْ أَرَادَ تَقْدِيرَ زِيَادَةِ ابْنٍ ثَانٍ مَعَ الِابْنِ، وَالْبِنْتِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ فَالْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنَيْنِ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَصِيَّةٌ بِأَرْبَعَةِ أَتْسَاعِ الْمَالِ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ، وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ نَظِيرًا لِصُورَةِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ عَمَّنْ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ، وَبِنْتٍ، وَأَوْصَى لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَامِهِمْ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُعْلَمُ فِيهَا النَّصِيبُ، وَيَتَقَرَّرُ فِيهَا مِقْدَارُهُ، وَعَلَيْهِ، فَيَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ رُبُعَ التَّرِكَةِ فَهَذِهِ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ بِحَضْرَمَوْتَ فَتَفَضَّلُوا بِإِمْعَانِ النَّظَرِ فِيهَا، وَبَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ الْمَقْبُولِ، وَالْمَرْدُودِ لِيَظْهَرَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَيُدْحِضَ الْبَاطِلَ الَّذِي يَجِبُ الِاعْتِرَاضُ عَنْ التَّمَسُّكِ بِشَيْءٍ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُقِمْ خُلَفَاءَ الرُّسُلِ إلَّا لِهِدَايَةِ الْأُمَمِ، وَإِطْفَاءِ نَارِ الْمِحَنِ، وَإِنَارَةِ الظُّلَمِ أَخْذًا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا شَيْئًا مِمَّا نَزَلَ إلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يُحَابُوا أَحَدًا، وَإِنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَلَا سَطْوَةَ لِسَانٍ أَوْ صَارِمٍ فَعَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ شَآبِيبُ الرَّحْمَةِ وَهَوَامِعُ الْإِنْعَامِ، وَالْغُفْرَانِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ.
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي تَأْلِيفٍ حَافِلٍ مُلَقِّبًا لَهُ. (بِالْحَقِّ الْوَاضِحِ الْمُقَرَّرِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ الْمُقَدَّرِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ