؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا مِيرَاثَ لَهُ، وَإِنْ قِيلَ: هُنَاكَ بِالصِّحَّةِ فَكَذَا يُقَالُ: هُنَا، وَإِذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ كَانَتْ بِالسُّبُعَيْنِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْمَيِّتَ كَالِابْنِ الزَّائِدِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ إرْثٌ وَلَا مُزَاحَمَةَ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا قَدْرَ كَوْنِهِ وَارِثًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْلَادُ ابْنِي عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ، فَيَتَخَرَّجُ أَيْضًا عَلَى هَذَا، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنْ أَرَادَهَا صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ هُوَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُوصِي الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ أَطْلَقَ فَلَمْ يُرِدْ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَيَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسَيْنِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ بِتَجَوُّزٍ شَائِعٍ فِي الْكَلَامِ فَإِذَا قَصَدَهُ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِلَا تَرَدُّدٍ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ.
لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي لَوْ لَمْ أُوصِ لِأَحَدٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ الْمَالِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَحْوُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبًا لِابْنِهِ أَيْ: قَبْلَ الْوَصِيَّةِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ.
، وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ هُوَ عَيْنُ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ لَكِنْ نَقُولُ بِهِ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ وَهُمَا إنَّمَا يَقُولَانِ بِهِ فِي صُورَةِ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا لَهُ مَعَ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ قَصْدِهِ، وَأَمْثِلَتُهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تَخْفَى.
وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ فُضَلَاءِ الْيَمَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ وَقَصَدَ الْجَارَ الْقَرِيبَ مِنْ دَارِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ، وَتَنْفُذُ بِهِ وَصِيَّتُهُ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ اعْتِبَارِ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مَحَلّه عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ أَوْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ.
، وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاق عَلَى مَعْنًى يَقْتَضِي حُكْمًا، وَإِذَا قَصَدَ الْمُتَلَفِّظُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَهَلْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقه، وَإِنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ اللَّافِظُ.
وَلَوْ عَلَى تَجَوُّزٍ، وَشَوَاهِدُهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تُحْصَى مِنْهَا لَوْ أَوْصَى لِإِسْرَاجِ الْكَنِيسَةِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقْصِدْ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِ بِهَا أَوْ الْمُجْتَازِ أَوْ لِعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّتْ مَا لَمْ يُقْصَدْ تَمْلِيكُهُ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ أَوْ لِدَابَّةِ الْغَيْرِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يُفَسَّرْ بِعَلَفِهَا أَيْ: يَقْصِدُهُ.
وَلَوْ قَالَ: الدَّارُ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي أَوْ وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي مِلْكُ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ كَمَا فِي دَارِي لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْمَالُ لِوَرَثَةِ زَيْدٍ حُمِلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَإِنْ تَفَاوَتَ إرْثُهُمْ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ: أَرَدْت الْإِرْثَ قَبْلُ، وَإِنْ نَازَعَهُ أَقَلُّهُمْ حِصَّةً كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَقَرَّهُ، وَالدَّرَاهِمُ فِي الْخُلْعِ الْمُعَلَّقِ، وَالْإِقْرَارُ تُحْمَلُ عَلَى الْإِسْلَامِيَّةِ لَا عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا عَلَى الزَّائِدَةِ أَوْ النَّاقِصَةِ إلَّا إنْ قَالَ أَرَدْتُهَا، وَاعْتِيدَتْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَجِبُ اسْتِفْسَارُهُ لِيُخْبِرَ عَنْ مُرَادِهِ بَلْ نَأْخُذُ بِالظَّاهِرِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِيَّةِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُرَادِهِ.
وَلَوْ قَالَ: الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ كَانَ قَذْفًا عِنْدَ الْإِطْلَاق فَنُحِدُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ إرَادَتِهِ مَا لَمْ يَدَعْ مُحْتَمَلًا كَلَمْ يَكُنْ ابْنَهُ حِينَ نَفَاهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَتَتَبُّعُ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ وَلَيْسَ مُرَادُنَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا نَظَائِرُ لِصُورَةِ السُّؤَالِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى، وَإِنَّمَا هِيَ شَوَاهِدُ لِمَا قَرَرْنَاهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنًى ثُمَّ إذَا قَصَدَ اللَّافِظُ غَيْرَهُ اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا
وَادَّعَى الْمُوصَى لَهُمْ أَوْ نَائِبُهُمْ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ الْإِيصَاءَ لَهُمْ بِالْخُمُسَيْنِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى ثُمَّ إنْ اعْتَرَفَ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِقَصْدِ مُوَرِّثِهِ لِذَلِكَ لَكِنْ حَلِفُ الْوَارِثِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ فِي الْجِهَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ غَالِبًا ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْوَارِثُ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ وَاسْتَقَرَّتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى السُّبْعَيْنِ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُوصَى