مَسْأَلَةُ السُّؤَالِ بِعَيْنِهَا فَإِنَّ قَوْلَ الْمُوصِي أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا كَقَوْلِهِ أَوْصَيْتُ لَكَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرَّوْضَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ نَسَبَ ابْنُ عَبْسِينَ مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ لِلرَّوْضَةِ، وَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ وَالِدِهِ إلَخْ. فَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى فَهْمِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فَرَدُّهُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَأَجَابَ آخَرُ لَكِنْ فِي سُؤَاله زِيَادَةٌ هِيَ.

وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا وَلِلْمُوصِي ثَلَاثَةُ بَنِينَ، وَبِنْتٌ فَأَوْصَى لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَامِهِمْ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي اثْنَانِ، وَبَقِيَ وَاحِدٌ فَهَلْ لَهُمْ مِثْلُ نَصِيبِهِ تَامًّا أَوْ يَنْقُصُ عَلَيْهِمْ، وَتُحْسَبُ الْأَمْوَاتُ أَحْيَاءً أَمْ لَا؟ يَنْقُصُ وَلَهُمْ مِثْلُ مِيرَاثِ الْحَيِّ فَقَالَ: مَا حَاصِلُهُ الصَّوَابُ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُمْ سُبْعَا الْمَالِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

وَمِنْهُمْ الشَّيْخَانِ فِي الْعَزِيزِ، وَالرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ إلَّا وَجْهًا ضَعِيفًا وَهَذَا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرُوهُ نَظِيرُ صُورَةِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْخُمُسَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِمَّنْ لَهُ ابْنٌ، وَبِنْت فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْوَصِيَّةِ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي أَيْ: الْمَوْجُودِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسَيْنِ كَمَا ذَكَرُوهُ، وَنَحْنُ نُوَضِّحُ النَّقْلَ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا لِيَظْهَرَ الْحَقُّ فَيُتَّبَعُ، وَنُقَدِّمُ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأُولَى فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى مَنْ لَهُ ابْنٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِنِصْفِ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَعَلَّلُوا بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبٌ، وَأَنْ يَكُونَ النَّصِيبَانِ مِثْلَيْنِ فَلَزِمَ التَّسْوِيَةُ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا، وَحَكَوْا عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا فِي صُورَةِ الِابْنِ بِكُلِّ الْمَالِ وَالِابْنَيْنِ بِنِصْفِ الْمَالِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إلَيْهِ فَهْمُ الْعَوَامّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ النَّصِيبَ بِنَصِيبِ الِابْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ جَمِيعُ الْمَالِ، وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُهُ مَعَ مُزَاحَمَةِ الْوَصِيَّةِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْمُسَاوَاة اهـ.

، وَفِي أَوْصَيْتُ بِنَصِيبِ ابْنِي وَجْهَانِ عِنْدَنَا أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُرُودِهِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَالثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالْإِمَامُ، وَالرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَجَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ الصِّحَّة؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ قَالُوا: وَمِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرٌ، وَالْغَرَضُ التَّقْيِيدُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ الِابْنُ لَا نَفْسَ نَصِيبِهِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا بَاعَ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ.

وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْمَيِّتِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ الْبُطْلَانَ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَوْ لَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّةَ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ وَارِثًا فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ كَثِيرًا، وَنَظَائِرُهُ فِي الْفِقْهِ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا لَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمِثْلَ بَلْ أَفْتَى الْجَمَالُ بْنُ كَبَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَمْلِ الْبُطْلَانِ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا عَلَى مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَةٍ لَا يَعْتَادُونَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ اعْتَادُوهُ كَانَ وَصِيَّةً عَمَلًا بِعُرْفِهِمْ اهـ.

وَهُوَ حَسَنٌ.

وَلَوْ قَالَ: مَنْ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ قَالَ الْأَصْحَابُ كَمَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَفِي وَجْهٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ بِالنِّصْفِ، وَفِي الثَّانِي بِالثُّلُثِ وَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْمُوصَى لَهُ مَقَامَ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَوْصَيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَشْرِيكًا، وَمُزَاحَمَةً فَلِهَذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ بِالنِّصْفِ كَمَا سَبَقَ إذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي أَوْصَيْتُ لِأَوْلَادِ ابْنِي بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْمَيِّتِ فَإِنْ قِيلَ: بِالْبُطْلَانِ هُنَاكَ كَانَ هَذَا بَاطِلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015