لَا مَدْخَلَ لِلْعُرْفِ هُنَا ذَكَرُوا أَنَّ الصَّرَاحَةَ فِي الْأَلْفَاظِ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الشُّيُوعِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا تُصَيِّرُ الْكِنَايَةَ صَرِيحًا، وَأَيْضًا فَالصِّيغَةُ تَحْتَمِلُ الْمُمَاثَلَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَهَا، وَالثَّانِي هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَنْزِيلُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَنَظِيرُهُ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ يَحْتَمِلُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةً وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْإِقْرَارِ أَنْ أَطْرَحَ الشَّكَّ، وَأَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَرَادَ لَا أَسْتَعْمِلُ الْعَادَةَ وَلَا مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ اللَّافِظَ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجَهْلِ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ اهـ.
وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ لَا الرَّافِعِيُّ فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ فَإِنَّ تِلْكَ النُّسْخَةَ ضَعِيفَةٌ وَقْد صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْمُوصِي كَمَا يُعْلَم ذَلِكَ بِمُرَاجَعَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَغَيْرِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْخُمُسَانِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَبِهِ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَيُحَلَّفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هُوَ عَلَى الْبَتِّ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَلْتَرْجِعْ الْآنَ إلَى مَا فِي كَلَامِ الْمُجِيبِ بِأَنَّ لَهُ الْخُمُسَيْنِ فَنَقُولُ: أَمَّا كَلَامُهُ فِي أَوَّلِ جَوَابِهِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةِ الصِّيغَةِ فَوَاضِحٌ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إنَّمَا هِيَ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْمُرَادُ الْمِثْلِيَّةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَكَلَامُهُ فِي آخِرِ جَوَابِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ، جَعَلَ لِلْمُوصَى لَهُ الْخُمُسَيْنِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَوْ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَوْ عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي الصِّيغَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ كَمَا قَرَرْنَاهُ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ إلَخْ. كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّمْنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي بَحَثَ صِحَّتَهَا.
وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَا ابْنَ لَهُ وَارِثٌ إذْ لَا نَصِيبَ لِلِابْنِ مَعَ التَّصْرِيحِ هُنَا بِالْمِثْلِيَّةِ فَمَا ظَنُّك بِالصُّورَةِ الَّتِي بَحَثَهَا الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ ظَاهِرٌ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهَا نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّةَ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرَاجَعُ فِي ذَلِكَ لَا أَنَّ كَلَامَهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الْخُمُسَيْنِ إلَخْ. فَهَذَا بَنَاهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الضَّابِطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى فَهْمِهِ الْمَذْكُورِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ أَتَى بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْإِفْتَاءَ بِاسْتِحْقَاقِ السُّبُعَيْنِ مُخَالِفٌ لِإِفْتَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمُفْتِينَ بِحَضْرَمَوْتَ كَابْنِ مَزْرُوعٍ، وَابْنِ عَبْسِينَ، وَابْنِ الْحَاجِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْخُمُسَيْنِ فَجَوَابُهُ أَنِّي رَاجَعْت فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ مَزْرُوعٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ فَرَأَيْتُ كَلَامَهُ مُوَافِقًا لِمَا قَرَرْنَاهُ لَا مُخَالِفًا لَهُ لَكِنَّ هَذَا الْفَقِيهَ لَمْ يَفْهَمْهُ كَمَا لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً بِعَيْنِهَا فِي كَلَامِ ابْنِ مَزْرُوعٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثِ حَيٍّ لَكِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْسِينَ فَهُوَ مُصَرِّحٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ مَالَ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ هُمَا الْعُمْدَةُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ، وَافَقَهُمَا فُحُولُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِّ فَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى كَلَامٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ مَسْأَلَةَ الرَّوْضَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي بَنِينَ أَحْيَاءٍ إلَخْ.
فَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّوْضَةِ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ إذْ مَسْأَلَةُ الرَّوْضَةِ هِيَ