فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَحُجُّ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَيَعُودُ إرْثًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَعُودُ إلَى الثُّلُثِ وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَيُتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي حَجَّةً صُرِفَ إلَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْحَاوِي: سَوَاءٌ سَمَّى مَنْ يَحُجُّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ إنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِلْحَجِّ عَنْهُ الْوَارِثَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوَجْهَانِ فِي الْإِبَانَةِ أَحَدُهُمَا لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ
وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَالثَّانِي يُصْرَفُ الْجَمِيعُ لِلْحَجَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ بِأَلْفٍ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْأُجْرَةِ أَوْ أَقَلَّ أَعْطَى لَهُ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ أَعْطَى لَهُ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ وَارِثًا، وَرَضِيَ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ أُعْطِيه، وَرُدَّ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ اُسْتُؤْجِرَ غَيْرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالْبَاقِي يَعُودُ إرْثًا، فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ شَخْصٌ جَازَ، وَرُدَّ الْكُلُّ لِلْوَرَثَةِ وَلَمْ يَجُزْ اسْتِئْجَارُ الْمُعَيَّنِ هَذَا فِي الْفَرْضِ أَمَّا النَّفَلُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمُعَيَّنُ فَفِي جَوَازِ حَجِّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَجْهَانِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ زَيْدًا الْمُعَيَّنَ بِخَمْسِ مِائَةٍ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجَرُ بِالْوَصِيَّةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا، وَفِي الْحَاوِي مَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدِ زَيْدٍ بِأَلْفٍ، وَبِعِتْقِهِ عَنْهُ فَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِ مِائَةٍ
وَأَعْتَقَهُ، وَالْبَائِعُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ يُسَاوِي أَلْفًا فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ أَيْ:؛ لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةَ فَلَا وَصِيَّةَ فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِدُونِ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَعَيَّنَ الْفَاضِلُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي خَمْسَ مِائَةٍ فَالْبَاقِي لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَهُ، وَإِنْ سَاوَى سَبْعَ مِائَةٍ فَلِلْوَارِثِ مِائَتَانِ إذْ لَا وَصِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَلِلْبَائِعِ ثَلَاثُ مِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا الْقَدْرُ الْمُوصَى بِهِ إذْ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ السَّبْعُ مِائَةِ اهـ.
، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْمُعَيَّنِ وَخَرَّجَهُ عَلَى كَلَامِ الْحَاوِي الْمَذْكُورِ ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَيْضًا وَخَرَّجَهُ عَلَى كَلَامِ الْحَاوِي الْمَذْكُورِ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا فِيمَا إذَا عَيَّنَ الْمُوصَى لَهُ، وَاَلَّذِي فِيهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى فِي زَمَانِنَا أَنَّ شَخْصًا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَاسْتَأْجَرَ أَمِينُ الْحَاكِمِ شَخْصًا لِلْحَجِّ عَنْهُ بِثَلَاثِ مِائَةٍ، وَأَفْهَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوصَى بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ صُورَةَ الْحَالِ فَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَالُ فَطَلَبَ الْمِائَةَ الزَّائِدَةَ فَاقْتَضَى النَّظَرُ بَعْد إمْعَانِ الْفِكْرِ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُوصَى بِهِ إنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَذِكْرُهُ لَيْسَ لِغَرَضٍ فِيهِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْمِائَةَ الْفَاضِلَةَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ثَلَاثَ مِائَةٍ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْمِائَةَ الزَّائِدَةَ ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا مَرَّ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْكِفَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ عَقِبَ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَا وَقَعَ فِي نَفْسِي صِحَّتُهُ لَا لِأَجْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لَهُ فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ غَيْرُ وَاضِحٍ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ، وَإِنْ كَانَ تَبَرُّعًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ، وَالتَّبَرُّعُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ لَا يُفْرَدُ عَنْ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِمُحَابَاةٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَاتَّفَقَ رَدُّ الْوَرَثَةِ الثَّمَنَ بِعَيْبٍ لَا يَبْقَى قَدْرَ الْمُحَابَاةِ مِنْ الْمَبِيعِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي
لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ قَدْ انْفَسَخَ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ فَكَذَا نَقُولُ إذَا وَقَعَ الثَّمَنُ بِخَمْسِ مِائَةٍ وَصَحَّ بَطَلَ الْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْ الْمُحَابَاةِ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ أَيْ: الْمَاوَرْدِيُّ قَدْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُنَا بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ جَمِيعَ الْخَمْسِ مِائَةِ الْفَاضِلَةِ لِلْبَائِعِ كَيْفَ كَانَ الْحَالُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنْ يَكُونَ مَأْخَذًا لِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي عَلَى مَا عَلَيْهِ نُفَرِّعُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِئْجَارِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لِأَجْلِ غَرَضِ تَحْسِينِ الْأَجِيرِ الْحَجَّ، وَفِي الِاسْتِئْجَارِ بِدُونِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْإِذْنِ، وَتَفْوِيتٌ لِغَرَضِ الْمُوصِي فَلَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْحَجَّ وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَاسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْقَدْرَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ مَعَ زِيَادَتِهِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَاسْتَحَقَّ بِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ اهـ.
كَلَامُ الْمَطْلَبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مُتَّجَهٌ، وَمِنْ الْقِيَاسِ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مُوصًى لَهُ مُعَيَّنٍ وَكَلَامُ الْمَطْلَبِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا لَكِنْ آلَ كَلَامُ الْمَطْلَبِ إلَى