فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ كَالْإِبْرَاءِ وَقَدْ جَرَى الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ مَعَ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ مَا أَجَازَهُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ لِأُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ عَشْرَ سِنِينَ لِيَكُونَ بَعْدَ الْعَشْرِ الْأَصْلُ، وَالشَّجَرُ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ ، وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يَكْفِي قَبُولُ الْمُوصَى لَهُمْ بِالرَّقَبَةِ قَبْلَ مَوْتِ مَنْ لَهُمْ ثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِثَمَرَةِ بُسْتَانِي لِفُلَانٍ أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا يَكُونُ الْأَصْلُ، وَالثَّمَرَةُ لِفُلَانٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ اسْتَخْدِمُوا عَبْدِي سَالِمًا بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً ثُمَّ أَعْطُوهُ فُلَانًا أَوْ ثُمَّ أَعْتِقُوهُ صَحَّ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِمْ خِدْمَةُ السَّنَةِ لِاسْتِعْمَالِهِمْ مِلْكَهُمْ، وَتُقَوَّمُ بَعْدَهَا وَقَوْلُهُمْ: لَوْ قَالَ: إلَّا وَلَدَتْ دَابَّتِي ذَكَرًا فَهُوَ لِزَيْدٍ أَوْ أُنْثَى فَهِيَ لِعَمْرٍو صَحَّ، وَاتُّبِعَ مَا قَالَهُ فَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبَيْنِ أُعْطِيَ الذَّكَرُ لِزَيْدٍ، وَالْأُنْثَى لِعَمْرٍو وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى لِصَبِيٍّ بِشَيْءٍ وَقَالَ: لَا تُعْطُوهُ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ لَمْ يُعْطَ حَتَّى يَبْلُغَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِعَمْرٍو جَازَ فَإِنْ رَدَّ عَمْرٌو فَهَلْ تَعُودُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ أَوْ لِلْوَارِثِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الثَّانِي وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ مِنْ أُجْرَةِ دَارِهِ مَثَلًا كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ جَعَلَهُ بَعْدَهُ لِوَارِثِ زَيْدٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقِهِ بَعْدَ خِدْمَةِ زَيْدٍ سَنَةٍ جَازَ وَلَا يُعْتَقُ قَبْلَ السَّنَةِ سَوَاءٌ أَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ الْوَصِيَّةَ أَمْ قَبِلَهَا، وَوَجْهُ دَلَالَةِ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى مَا ذَكَرْته أَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى لَا نِزَاعَ وَلَا تَوَقُّفَ فِيهَا لِإِطْبَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِمُضِيِّ الْأُولَى وَقَدْ عَلِمْتَ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ غَيْرِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ، وَالْجَهْلَ، وَالْإِبْهَامَ لَا يَضُرُّ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْجَهَالَاتِ، وَالْأَخْطَارِ تَوْسِعَةً لِلْإِنْسَانِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ أَنْ يَسْتَبْقِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يَفُوزُ بِثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَإِذَا لَمْ يَضُرَّ فِيهَا التَّعْلِيقُ، وَالْجَهْلُ، وَالْإِبْهَامُ، وَالْإِخْطَارُ فَالْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ فِي صُورَتِنَا صَحِيحَةٌ

وَإِنْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِمُضِيِّ الْأُولَى لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّعْلِيقَ مُغْتَفَرٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهَا فَالرَّقَبَةُ مُدَّةَ السِّنِينَ الْعَشْرِ الَّتِي هِيَ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِنَظِيرِهِ لِتَعَلُّقِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ بِهَا، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِمِلْكِ الْوَارِثِ لِلرَّقَبَةِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ خَالِيَةً عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَلَا مِلْكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُمْ بِالرَّقَبَةِ، وَالثَّمَرَةِ عَقِبَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُمْ مُنْتَظَرًا أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقَبُولَ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْمَوْتِ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الْأَمَةُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْحَمْلِ، وَبَعْدَهُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ، فَيَصِحُّ قُلْت: فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذِهِ، وَمَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ مَوْجُودٌ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ لَا يُصَيِّرُهُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِخَمْسِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَاسْتَأْجَرَ الْوَارِثُ بِدُونِ الْخُمُسَيْنِ فَالْفَاضِلُ لِمَنْ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِح.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ لِلْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَ كُلَّهُ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ عَنْهُمْ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ رَجَعَ إلَيْهِمْ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لِذَلِكَ نَظَائِرَ مِنْهَا مَا فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً جَيِّدَةً بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا فَكَانَ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا يَرُدُّ الْمِائَةَ لِلْوَرَثَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي بِهَا حِنْطَةً بِهَذَا السِّعْرِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى ثَرَاهُ:، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي بِثُلُثِي رِقَابًا فَفَضَلَ مِنْ ثُلُثِهِ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ أُعْطِيَ هَذَا الْفَاضِلُ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي صُرِفَ ثُلُثُهُ إلَى مَا يُمْكِنُ مِنْ حَجَّةٍ أَوْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِنْ فَضَلَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوفِ ثُلُثُهُ بِحَجَّةٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ حُجُّوا مِنْ ثُلُثِي بِمِائَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015