يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ رِضَاهُ أَوْ فِعْلِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ قُوَّةَ تَعَلُّقِهِ بِمِلْكِ رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ اقْتَضَى أَنْ لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ الْأَقْوَى وَلَا يُزِيلُهُ إلَّا بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي الْقُوَّةِ وَهُوَ اللَّفْظُ
لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ أَوْ الرِّضَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا وَقَبِلَهُ لَمْ يَكْتَفِ بِقَبُولِهِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِجَازَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ لَفْظِهَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَلَوْ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيْعِ فَإِذَا وُجِدَ بَانَتْ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَصِحَّةُ قَبُولِهِ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ هَذَا، وَالرَّهْنُ، وَإِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُمْ
وَأَحَاطَ بِمُدَارِكِهِمْ عَلَى وَجْهِهَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ اكْتَفَوْا فِي إجَازَةِ خِيَارِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الشِّرَاءِ أَوْ إيجَابِهِ فَلِمَ لَا يَكُونُ مَا هُنَا كَذَلِكَ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا، وَذَاكَ وَاضِحٌ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ ثَمَّ بِالْفِعْلِ كَافِيَةٌ وَهُنَا لَا يُكْتَفَى إلَّا بِاللَّفْظِ، وَأَيْضًا فَالشَّرْطُ هُنَا وُقُوعُ حَقِيقَةِ الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا ثَمَّ فَالشَّرْطُ لِلُزُومِ عَدَمِ الْفَسْخِ إذْ لَوْ مَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ وَلَمْ يُفْسَخْ وَلَمْ يُجَزْ لَزِمَ الْعَقْدُ فَعُلِمَ أَنَّ مَلْحَظَ الْإِجَازَةِ ثَمَّ غَيْرُ مَلْحَظِهَا هُنَا فَلَا يُقَاسُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ، وَنَحْوِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْقَمُولِيَّ نَقَلَ فِي جَوَاهِرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الصَّدَاقِ عَنْ الْأَصْحَابِ مَا قَدْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَبُولَ الْوَارِثِ الْوَقْفَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ نَحْوَهَا لَا يَكُونُ إجَازَةً، وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ مَالًا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَسَلَّمَهُ لَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ الْوَارِثِ، وَسَلَّمَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْ: وَرَدَّ الْوَارِثُ فَهَلْ يَغْرَمُ الْمُوصَى لَهُ قِيمَتَهُ لِلْوَارِثِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ كَهِبَةٍ مِنْ الزَّوْجِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقْتَ الْهِبَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَالِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَهُ أَيْ: الْوَارِثُ نَقْضُ تَصَرُّفِهِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ جُعِلَ كَأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَكُنْ، وَحَقُّ الزَّوْجِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّدَاقِ عِنْدَ الْهِبَةِ فَنَفَذَ التَّصَرُّفُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَتْ لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجِ نَقْضُهُ، وَالْعَوْدُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الصَّدَاقِ انْتَهَتْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ تَحْوِيرَهُمْ الرَّدَّ لِلْوَارِثِ بَعْدَ قَبُولِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا لَوْلَا فَرْضُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَصْوِيرٌ لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ تَيْنِك الطَّرِيقَتَيْنِ يَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَنَّ هَذَا الْقَبُولَ، وَالْقَبْضَ لَيْسَا إجَازَةً، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا مَرَّ وَهَذَا عَيْنُ مَا قَدَّمْته أَنَّ قَبُولَ الْوَارِثِ لِلْوَقْفِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ لَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِإِجَازَتِهِ بَلْ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَهُ، وَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا، وَالصَّدَاقُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ مِلْكًا تَامًّا حَقِيقِيًّا فَصَحَّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الْفِرَاقِ فَإِذَا وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ فَارَقَهَا كَانَتْ مُتْلِفَةً لَهُ قَبْلَ الْفِرَاقِ فَرَجَعَ عَلَيْهَا بِبَدَلِهِ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَهُوَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَارِثِ لَا مِلْكَ لَهُ تَامٌّ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَارِثِ نَقْضَ تَصَرُّفِهِ فَإِذَا تَصَرَّفَ، وَلَوْ مَعَ الْوَارِثِ بِالْهِبَةِ لَهُ أَوْ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، وَإِنْ أَجَازَ بِأَنْ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ وَصِحَّةُ الْوَصِيَّةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَيْضًا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ الْقَفَّالِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ: إنَّ إجَازَةَ الْوَارِثِ تَنْفِيذٌ أَوْ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ تَجُوزُ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَالتَّنْفِيذ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ مَحْضَةٍ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي اهـ.
فَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الضَّعِيفُ أَنَّ الْإِجَازَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا هِبَةٌ لَكِنَّهَا غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الْفِعْلُ نَظَرًا إلَى شَائِبَةِ الْهِبَةِ فَإِنَّ لِلْوَارِثِ حَقًّا فِيمَا نَفَّذَهُ فَكَأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ وَهَبَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ مُتَضَمِّنَةً لِلْهِبَةِ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهَا الْفِعْلُ كَالْهِبَةِ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْإِجَازَةَ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا تَنْفِيذٌ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ اهـ.
وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ إنَّهَا إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْوَارِثِ عَنْ مَالِ الْمَيِّتِ