فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي أَوْ بِحَجَّةٍ مَثَلًا لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ وَهُوَ أَنَّ الزَّائِدَ وَصِيَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُعَيَّنْ فَتَبْطُلُ، وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إذْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِثَانِي وَجْهَيْ الْجَوَاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ قَضِيَّةِ نَصِّ الْأُمِّ، وَتَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاخْتِيَارِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلِثَانِي أَوْجُهِ الْبَحْرِ وَلِثَانِي وَجْهَيْ أَدَبِ الْقَضَاءِ الْمَنْقُولِ عَنْ تَصْرِيحِ الرَّافِعِيِّ يَسْتَحِقُّ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ الْأَلْفِ إذَا وَفَّى بِهَا الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ ثَانِيَ وَجْهَيْ أَدَبِ الْقَضَاءِ عَلَّلَ الِاسْتِحْقَاقَ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِشَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَفْهَمَ هَذَا تَقْيِيدَ اسْتِحْقَاقِهِ لِلزِّيَادَةِ بِاتِّصَافِهِ بِالْحَجِّ عَنْهُ، وَالْحَاجُّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ فَلْيَسْتَحِقَّ الزِّيَادَةَ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا الرَّافِعِيُّ
وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ اتِّصَافُهُ بِمَا ذَكَرَ وَهَذَا الِاتِّصَافُ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْحَاجَّ يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لَهُ بِشَرْطِ اتِّصَافِهِ بِالْحَجِّ عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِ هَذَا الْوَصْفُ فَإِنْ قُلْت: الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرُوا فِيهَا جَمِيعَ مَا مَرَّ إنَّمَا هِيَ حُجُّوا وَصُورَةُ السُّؤَالِ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ قُلْت: نَعَمْ يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ لَوْلَا مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ السَّابِقِ تَقْتَضِي عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ مُطْلَقًا، وَعِلَّةُ الْوَجْهِ الثَّانِي السَّابِقِ تَقْتَضِي الِاسْتِحْقَاقَ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فَأَخَذْنَا بِمُقْتَضَى الْعِلَّةِ، وَأَعْرَضْنَا عَنْ خُصُوصِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مُقْتَضَى الْعِلَّةِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ خُصُوصِ الصُّورَةِ هُوَ دَأْبُ الْأَئِمَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَدَبَّرَ كُتُبَهُمْ فَإِنْ قُلْت: لِمَ جَرَى فِي صُورَةِ الْبَحْرِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَلَمْ يَجُزْ فِيهَا قَبْلَهَا إلَّا وَجْهَانِ قُلْت: يُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّ تَعْيِينَ ثَمَنِ الْأَقْفِزَةِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَصْدُهُ إلَّا التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَقَةِ مَطْلُوبَةٌ أَصَالَةً فَجَرَى ذَلِكَ الْوَجْهُ بِالتَّصَدُّقِ بِالزَّائِدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ عَلَى حَجَّةِ الْفَرْضِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْغَيْرِ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَوْلَا مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ وَجْهٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً أُخْرَى بِالزَّائِدِ فَتَأَمَّلْهُ تَعْلَمْ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ حَاوَلَ تَخْرِيجَ وَجْهٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ إلَى الْحَجِّ ثُمَّ رَأَيْتنِي ذَكَرْت جَوَابَ مَا فِي السُّؤَالِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْته لَكِنْ مُقَيَّدًا، وَعِبَارَتِي فِيهِ فَرَّعَ عَيْنُ الْمُوصِي مِقْدَارًا لِلْحَجِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَاسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ لِلْحَجِّ بِدُونِهِ فَاَلَّذِي يَحُثُّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَاحِبُ الْوَافِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُوصِي إنْ كَانَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَانَ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ لِلْأَجِيرِ، وَيَكُونُ وَصِيَّةً لَهُ، وَيُوَافِقُهُ مَا صَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالسُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي هَذَا، وَفِيمَا لَوْ قَالَ: أَحِجُّوا عَنِّي رَجُلًا بِأَلْفٍ، فَيَحُجُّ عَنْهُ بِالْأَلْفِ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ وَصِيَّةً فَإِنْ عَيَّنَ مِقْدَارًا أَوْ شَخْصًا وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ صُرِفَ إلَيْهِ إنْ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الزِّيَادَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا، وَإِلَّا لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَهُ مُمْتَنِعَةٌ، فَيَحُجُّ عَنْهُ الْمُعَيَّنُ إنْ رَضِيَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَرَضِيَ غَيْرُهُ بِدُونِهِ وَلَمْ يَرْضَ هُوَ أُجِيبَ غَيْرُهُ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَرَّعَ وَاحِدٌ بِالْحَجِّ، وَنَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَصَدَ تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا جَعَلَ الزَّائِدَ وَصِيَّةً لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ هَذَا أَيْ: كَلَامُ الْقَاضِي إذَا عُيِّنَ الْمَالُ فَقَطْ اهـ.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْغَرَضُ فِي التَّخْصِيصِ إلَّا عِنْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فَلَيْسَ هُنَاكَ كَبِيرُ غَرَضٍ حَتَّى يَنْظُرَ إلَيْهِ فَقُدِّمَ حَقُّ الْوَرَثَةِ الْمُحَقَّقُ عَلَى حَقِّ الْمُعَيَّنِ الْمُحْتَمَلِ لَأَنْ يَكُونَ عَيْنُهُ لِقَصْدِ إيثَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَأَنْ يَكُونَ مُوَافَقَةً انْتَهَتْ، وَفِيهَا فَوَائِدُ، وَأَوَّلُهَا مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَيْت بِهِ فِيمَا مَرَّ لَكِنْ فِيهَا زِيَادَةُ قَيْدٍ وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ وَصِيَّةً يَسْتَحِقُّهَا، وَإِنْ أُوجِرَ بِدُونِهَا أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ قَبْلَ الِاسْتِئْجَارِ، فَيَسْتَأْجِرُ عَنْهُ بِمَا عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ مُطْلَقًا وَهَذَا الَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِصُورَةِ السُّؤَالِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِئْجَارُ بِأَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَلَا غَرَضَ فِي تَعْيِينِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَزِيدَ فَلَهُ غَرَضٌ فِي التَّعْيِينِ، فَيَكُونُ الزَّائِدُ