لِلْإِجَازَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ فَإِنْ قُلْت: مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورَةِ آخِرًا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ فَيُجْزِي فِيهَا خِلَافُ أُولَئِكَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ فَإِنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ لَمَّا قَالَ فِيهَا فِي نَصِيبِ الِابْنِ خَاصَّةً كَانَ مُصَرِّحًا بِإِدْخَالِ الضَّيْمِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَصُورَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا هِيَ فِيمَا إذَا سَكَتَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِجَمِيعِ أَطْرَافِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ، وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِيهَا كَثِيرًا وَقَدْ اتَّضَحَ حُكْمُهَا. وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَمْدُ
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ:، وَمَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا، وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ أَوْ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَايَ فُلَانٌ فَأَخْرَجَ الْوَصِيُّ حَاجًّا فَأَحْرَمَ قَبْلَ مَخْرَجِ الْوَصِيِّ آخَرَ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ مَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَقَعُ إحْرَامُ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمَيِّتِ، وَيَسْتَحِقَّ الْمُوصَى بِهِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ قَدِيمًا فِيمَا أَظُنُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَصِيِّ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَلْ قَطَعَ تَعْيِينَهُ بِتَعْبِيرِهِ بِمَنْ حَجَّ عَنِّي، وَالسَّابِقُ بِالْإِحْرَامِ صَدَقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فَاسْتَحَقَّ بِنَصِّ الْمُوصِي بِخِلَافِ مُعَيَّنِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ عِبَارَةِ الْمُوصِي بِسَبْقِ الْأَوَّلِ لَهُ، وَالْوَصِيُّ لَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةٌ إلَّا فِي إقْبَاضِ الْمُوصَى بِهِ لَا فِي تَعْيِينٍ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ لَفْظِ الْمُوصِي فَلَا تَغْرِيرَ مِنْهُ يَقْتَضِي غُرْمَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى بِحَجَّةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَلًا فَجَاعَلَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَصِيٌّ شَخْصًا لِلْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ جَهْلًا مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ أَوْ عَمْدًا فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْحَاجُّ جَمِيعَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَهُ فِي عَقْدِ الْجِعَالَةِ أَوْ لَا؟ يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا سُمِّيَ لَهُ، وَيُصْرَفُ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ يَنْظُرُ فِي لَفْظِ الْمُوصِي فَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْت لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي اسْتَحَقَّ جَمِيعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَهُ فِي عَقْدِ الْجِعَالَةِ أَوْ أَوْصَيْت بِأَنْ يَحُجَّ عَنِّي أَوْ أَوْصَيْت بِحَجَّةٍ مَثَلًا فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا سَمَّى لَهُ فِي عَقْدِ الْجِعَالَةِ، وَيُصْرَفُ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجَّ بِدُونِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِأَقَلَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْفَتَاوَى صُرِفَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ: يَجِبُ صَرْفُ الْجَمِيعِ قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ اهـ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ عَيَّنَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَكَانَ الْأَلْفُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ صُرِفَ إلَيْهِ إنْ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الزِّيَادَةَ وَكَانَ الْمُعَيَّنُ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ وَارِثًا فَالزِّيَادَةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ زَائِدًا عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي يَحُجُّ عَنْهُ بِهِ إنْ وَفَّى الثُّلُثُ بِهِ، وَبِهِ يُشْعِرُ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ اهـ.
وَنَقَلَ الْغَزِّيُّ الثَّانِي عَنْ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: حُجُّوا عَنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُصْرَفُ لِمَنْ يَحُجُّ إلَّا أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَصِيَّةٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصَى لَهُ، وَالثَّانِي هُوَ وَصِيَّةٌ لِشَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ إلَيْهِ الْأَلْفَ إنْ خَرَجَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَلْفِ مِنْ الثُّلُثِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ اهـ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً جَيِّدَةً بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَيَتَصَدَّقَ بِهَا فَكَانَ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تُرَدُّ الْمِائَةُ أَيْ: لِلْوَرَثَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي بِهَا حِنْطَةً بِهَذَا السِّعْرِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا اهـ.
قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَاجُّ إلَّا الْمُسَمَّى لَهُ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ سَوَاءٌ أَقَالَ الْمُوصِي لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي أَوْ أَنْ يَحُجَّ عَنِّي أَوْ بِحَجَّةٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُوَافِقٌ لِأَوَّلِ وَجْهَيْ الْجَوَاهِرِ، وَأَوَّلِ أَوْجُهِ الْبَحْرِ، وَأَوَّلِ وَجْهَيْ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَقَدْ عَلَّلَهُ قَائِلُهُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَصِيَّةٌ وَلَمْ يُعَيَّنْ الْمُوصَى لَهُ أَيْ: فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ بِالزَّائِدِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَلْحَظُ الْبُطْلَانِ فَلَا