وَالطَّاعُونِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ: وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «وَهُوَ شَهَادَةٌ لِلْمُسْلِمِ.

» وَوَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِسَنَدٍ حَسَنٍ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الطَّاعُونِ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ، الْمُقِيمُ فِيهِ كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «شِبْهُ الدُّمَّلِ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ، وَفِيهِ تَزْكِيَةُ أَعْمَالِكُمْ، وَهُوَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ شَهَادَةٌ» ، وَفِي أُخْرَى «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَوَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ، الْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ، وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

وَكَوْنُهُ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ هُوَ الْغَالِبُ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا وَقَدْ يَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي، وَالْأَصَابِعِ كَمَا وَقَعَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ الطَّاعُونِ دَعَا لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ بِالْحَظِّ الْأَوْفَرِ مِنْهُ فَطُعِنُوا، وَمَاتُوا، وَطُعِنَ هُوَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الطَّاعُونُ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ، وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَهِيبٌ، وَيَسْوَدُّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ، وَالْقَيْءُ، وَيَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ، وَالْآبَاطِ غَالِبًا اهـ. وَقَالَ: مُحَقِّقُو الْأَطِبَّاءِ: الطَّاعُونُ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا يَحْدُثُ فِي الْمَوَاضِعِ الرِّخْوَةِ، وَالْمَغَابِنِ مِنْ الْبَدَنِ، وَأَغْلَبُ مَا يَكُونُ تَحْتَ الْإِبْطِ، وَخَلْفَ الْأُذُنِ أَوْ عِنْدَ الْأَرْنَبَةِ، وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إلَى الْعُفُونَةِ، وَالْفَسَادِ، فَيَسْتَحِيلُ إلَى جَوْهَرٍ سُمَيٍّ يُفْسِدُ الْعُضْوَ، وَيُغَيِّرُ مَا يَلِيه، وَيُؤَدِّي إلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً رَدِيئَةً فَيُحْدِثُ الْقَيْءَ، وَالْغَثَيَانَ، وَالْغَشْيَ، وَالْخَفَقَانَ، وَهُوَ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطَّبْعِ، وَأَرْدَؤُهُ مَا يَقَعُ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَالْأَسْوَدُ مِنْهُ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ، وَأَسْلَمُهُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ، وَتَكْثُرُ الطَّوَاعِينُ عِنْدَ الْوَبَاءِ، وَفِي الْبِلَادِ الْوَبِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الطَّاعُونِ وَبَاءٌ، وَعَكْسُهُ، وَأَمَّا الْوَبَاءُ فَهُوَ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الرُّوحِ، وَمَدَدُهُ اهـ.

وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الطَّاعُونَ أَخَصُّ مِنْ الْوَبَاءِ مُطْلَقًا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَا عَكْسَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ الْمَدِينَةَ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَوْبَى أَرْضِ اللَّهِ، وَعَنْ بِلَالٍ أَنَّهَا أَرْضُ الْوَبَاءِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ الطَّاعُونَ غَيْرُ الْوَبَاءِ، وَإِلَّا تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ فَقَوْلُ ابْنِ الرَّتِّيِّ أَنَّهُ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا تُجُوِّزَ عَنْهُ بِهِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْشَأُ عَنْهُ كَثْرَةُ الْمَوْتِ، وَيُفَارِقُهُ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ، وَالْوَبَاءُ إنَّمَا هُوَ لِفَسَادِ الْهَوَاءِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ وَلَا يُنَافِي كَوْنُ سَبَبِ الطَّاعُونِ طَعْنُ الْجِنِّ مَا مَرَّ عَنْ الْأَطِبَّاءِ مِنْ أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ مَادَّةٍ سُمِّيَّةٍ أَوْ هَيَجَانِ الدَّمِ، وَانْصِبَابِهِ إلَى عُضْوٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّ ذَلِكَ يَحْدُثُ عِنْدَ الطَّعْنَةِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الصَّادِقُ فَتَكَلَّمُوا عَلَى مَا ظَهَرَ بِحَسَبِ قَوَاعِدِهِمْ دُونَ مَا بَطَنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ قِيلَ: وَقَدْ يَنْشَأُ الطَّاعُونُ عَنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ وَهَذَا قَوْلٌ مُزَيَّفٌ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي هَدْيِهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَقَعُ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ، وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً، وَأَطْيَبِهَا مَاءً وَبَاءٌ لَا يَعُمُّ النَّاسَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ بَلْ قَدْ يُفْنِي أَهْلَ بَيْتٍ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُجَاوِرُهُمْ، وَبِأَنَّهُ قَدْ يَقِلُّ عِنْدَ فَسَادِ الْهَوَاءِ، وَيَكْثُرُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ، وَبِأَنَّ كُلَّ دَاءٍ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ عَلَى مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»

وَالطَّاعُونُ بِاعْتِرَافِ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ لَا دَوَاءَ لَهُ وَلَا دَافِعَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ ثُمَّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ» مَعْنَاهُ الطَّلَبُ لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّاعُونِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِك بِالطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ» وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى الْخَبَرِ لَا الدُّعَاءِ أَيْ: الْغَالِب عَلَى فَنَاءِ الْأُمَّةِ الْفِتَنُ الَّتِي تُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالْوَبَاءُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ يَمُوتُونَ بِغَيْرِ هَذَيْنِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَمُوتُونَ بِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015