الْإِمْكَانِ لِذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَا يَقَعُ مَعَ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُعْتَادٌ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ، وَلَوْ مَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى الْمُقِرِّ بِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا عِبْرَةَ بِوُقُوعِهَا فِي خَطِّهِمْ، وَتُقْبَلُ دَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ لِتَحْلِيفِ الْوَرَثَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا بُدَّ فِي جَوَابِهِمْ، وَحَلِفِهِمْ مِنْ مُطَابَقَتِهِمَا لِلدَّعْوَى فَإِنْ كَانَتْ بِصِيغَةِ إنَّ إقْرَارِي بِالْقَبْضِ بَاطِلٌ كَانَ الْحَلِفُ بِصِيغَةِ إنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَبْضِ صَحِيحٌ أَوْ بِصِيغَةِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْفَعْ لِي شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَانَتْ الْيَمِينُ بِصِيغَةِ أَنَّ مُوَرِّثِي دَفَعَ لَك الثَّمَنَ جَمِيعَهُ أَوْ بِصِيغَةِ إنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إقْرَارِي لَمْ يَكُنْ عَنْ حَقِيقَةٍ كَانَتْ الْيَمِينُ بِصِيغَةِ لَا نَعْلَمُ أَنَّ إقْرَارَك عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ مَا فِي مَعْنَاهَا
وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: لَا بُدَّ فِي الْيَمِينِ، وَالْجَوَابِ مِنْ مُطَابَقَتِهِمَا لِلدَّعْوَى وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْيَمِينَ فِي كُلِّ إثْبَاتٍ، وَفِي كُلِّ نَفْيٍ فُعِلَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتِّ، وَفِي نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ اهـ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ قَرَأَ وَهَلَّلَ مَثَلًا وَأَذِنَ لِآخَرَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يُوصِلَ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى فُلَانٍ مَا الْحُكْمُ حِينَئِذٍ أَوْ قَرَأَ مَثَلًا وَدَعَا بِإِيصَالِ ثَوَابِ ذَلِكَ لِحَيٍّ مَا حُكْمُهُ، وَمَا حَقِيقَةُ الثَّوَابِ الْوَاصِلِ لِلْمَيِّتِ.
(فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الدُّعَاءُ لِلْغَيْرِ الْحَيِّ أَوْ الْمَيِّتِ بِثَوَابِ الدَّاعِي أَوْ غَيْرِهِ الْآذِنِ لَهُ لَا يَنْبَغِي فَإِنَّ ثَوَابَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِالدُّعَاءِ، فَيَكُونُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَمَّا الدُّعَاءُ بِحُصُولِ مِثْلِ ذَلِكَ الثَّوَابِ لِلْغَيْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْأَخِ الْمُسْلِمِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى قَبُولِهِ بِهَذَا، وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَحْذُورٌ فَلَمْ يَكُنْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ بَلْ لَوْ ذَكَرَ الدَّاعِي الثَّوَابَ، وَمُرَادُهُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ امْتِنَاعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إضْمَارَ مِثْلِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ سَائِغٌ شَائِعٌ ذَائِعٌ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِنَصِيبِ ابْنِي صَحَّ، وَأُعْطِيَ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنِهِ بِشَرْطِ رِعَايَتِهِ لِمَعْنَى الْمِثْلِيَّةِ الْمُتَبَادَرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ،، وَحَقِيقَةُ الثَّوَابِ الْوَاصِلِ لِلْمَيِّتِ: هِيَ كُلُّ مُلَائِمٍ وَاصِلٍ لِلرُّوحِ مِنْ نَعِيمِهَا بِالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْمَوَاهِبِ الِاخْتِصَاصِيَّةِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالتَّمَلِّي بِمَا شَاهَدَتْهُ مِنْهَا، وَمَجِيءِ رِزْقِهَا إلَيْهَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ أَوْ فِيهَا، وَهِيَ بِقِبَابٍ نَحْوِ اللُّؤْلُؤِ أَوْ بِخِيَامِهِ أَوْ بِأَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْمَقَامَاتِ، وَالْعِنَايَاتِ ثُمَّ الْمُتَنَعِّمُ بِهَذَا النَّعِيمِ الْأَرْفَعِ الْأَوْسَعِ الْأَكْمَلِ الْأَفْضَلِ هُوَ الرُّوحُ بِطَرِيقِ الذَّاتِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ بِالْبَرْزَخِ يَحْصُلُ لَهُ بَعْضُ آثَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ يُحِسُّ بِالنَّعِيمِ، وَضِدِّهِ فَلِلرُّوحِ مِنْ الثَّوَابِ أَعْلَاهُ وَلِلْجَسَدِ مِنْهُ أَدْنَاهُ، وَسِرُّهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَالتَّوْحِيدِ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ الْبَاطِنَةِ - وَالْمَدَارُ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهَا - إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ الرُّوحِ فَاسْتَحَقَّتْ أَكْمَلَ الثَّوَابِ، وَأَفْضَلَهُ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ الظَّاهِرَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالتَّبَعِ، وَالْقَائِمُ بِهِ الْبَدَنُ فَاسْتَحَقَّ مِنْ الثَّوَابِ أَدْنَاهُ وَلَا يُسْتَبْعَدُ إدْرَاكُهُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ جَمَادًا لَا رُوحَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجَمَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ لَهُ نَوْعُ إدْرَاكٍ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْهُ - إذْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ - لَكِنْ لَهَا اتِّصَالٌ بِالْبَدَنِ كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ بِالسَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَلَهَا اتِّصَالٌ، وَشُعَاعٌ، وَإِنَارَةٌ، وَنَفْعٌ عَامٌّ بِالْأَرْضِ فَبِذَلِكَ الِاتِّصَالِ الْوَاصِلِ إلَى الْبَدَنِ مِنْ الرُّوحِ صَارَ لِلْبَدَنِ نَوْعُ إحْسَاسٍ، وَإِدْرَاكٍ فَأَحَسَّ بِالنَّعِيمِ، وَنَضْرَتِهِ، وَابْتَهَجَ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ شُهُودِهِ، وَمَسَرَّتِهِ
(وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ قَدْ وَقَعَ الطَّاعُونُ عِنْدَنَا بِأَرْضِ الْيَمَنِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يَفِرُّونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ عَدْوَى فَهَلْ هُوَ عَدْوَى أَوْ لَا؟ ، وَأَنَّا رَأَيْنَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَلَامًا فِي الطَّاعُونِ، وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ، وَنَحْنُ نُرِيدُ الزِّيَادَةَ مِنْكُمْ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا لَنَا مَا يَحْضُرُكُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيَانِ الطَّاعُونِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى نَعِظَ بِهِ أَهْلَ الْبَلَدِ، وَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ بَسْطُ ذَلِكَ جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الطَّاعُونِ مَثَلًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَثِيرٌ، وَمِنْ ثَمَّ أُفْرِدَ بِتَآلِيفَ فَلْنُشِرْ هُنَا إلَى مُلَخَّصِهَا، وَهِيَ تَنْحَصِرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ