بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَى الْآنَ فَهَلْ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ مَسْمُوعَةٌ لِتَحْلِيفِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: نَعَمْ فَهَلْ يُقْبَلُ جَوَابُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَيْتَامَ لَا يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ لَا نَعْلَمُ اسْتِحْقَاقَهُمْ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ أَنَّ مُوَرِّثَنَا تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يُصَدَّقُونَ عَلَى شِرَاءِ مُوَرِّثِهِمْ لِلْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاذَا يَكُونُ كَيْفِيَّةُ يَمِينِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ وَهَلْ هِيَ عَلَى الْبَتِّ بِأَنَّ اعْتِرَافَ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ كَانَ بَعْدَ وُجُودِ حَقِيقَةِ قَبْضِهِ لِلثَّمَنِ أَوْ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ دَفَعَ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ أَوْ هِيَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَيْ: بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الِاعْتِرَافَ عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ بَقَاءَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ مُوَرِّثِهِمْ، وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمُثْبِتِ لِمَضْمُونِ الْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ، وَابْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ، وَأَوْضِحُوهُ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ آمِينَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا دَعْوَى الْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ، وَمُطَالَبَتُهُمْ بِمَا ذُكِرَ فَمَمْنُوعَةٌ وَلَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ اعْتِرَافُ الْبَائِعِ بِالْمُسَوِّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِجَمِيعِهَا مُفَصَّلَةً مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ وَصِيٌّ أَوْ قَيِّمٌ مِنْ جِهَةِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ، وَأَنَّ الْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الشَّاهِدِ لِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِلْقَاضِي عَلَى الْأَوْجَهِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْمُدَّعِينَ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ، وَرُشْدِهِمْ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ وُجِدَتْ بَيِّنَةٌ أَوْ اعْتِرَافٌ كَمَا ذُكِرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا نَظَرَ لِحُكْمِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِمُوجِبِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ إقْرَارِ الْبَائِعِ، وَمُوجِبُهُ الصِّحَّةُ إنْ ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِلَّا فَالْبُطْلَانُ، وَإِذَا بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فَالْمَبِيعُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْأَيْتَامِ، فَيَنْزِعُونَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِأَرْشِ عَيْبٍ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ مُوَرِّثِهِمْ إلَى حِينِ انْتِزَاعِهِ مِنْهُمْ، وَبِأُجْرَةِ الْمَبِيعِ تِلْكَ الْمُدَّةَ إنْ صَلَحَ أَنْ يُؤَجَّرَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَلَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَبِأَقْصَى مَا تَلِفَ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِزَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَغَيْرِهِمَا وَلَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْأَيْتَامِ بِمَا أَنْفَقُوا عَلَى الْمَبِيعِ نَعَمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمُوهُ لِلْأَيْتَامِ مِنْ أُجْرَةِ مَنَافِعَ، وَفَوَائِدَ لَمْ يَسْتَوْفُوهَا هُمْ وَلَا مُوَرِّثُهُمْ بِخِلَافِ مَا غَرِمُوهُ مِنْ بَدَلِ مَا اسْتَوْفَوْهُ مِنْهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَادَتْ إلَيْهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ الْمُبَاشِرُونَ لَا لِلْإِضَافَةِ ثُمَّ بَعْدَ انْتِزَاعِ الْمَبِيعِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَقَرَّرَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اعْتَرَفَ بِقَبْضِهِ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَ الْأَيْتَامُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْبَائِعَ وَلِيُّهُمْ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي بِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِتَحْلِيفِهِمْ.
نَعَمْ إنْ كَانَتْ صِفَةُ إقْرَارِهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِكَمَالِهِ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُبَرِّئًا لِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَمِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ أَوْ بِبَعْضِهِ الْمُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قَبِلْنَا دَعْوَاهُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِهِ كَمَلًا
وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْوَثَائِقَ يُشْهَدُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَحْقِيقِ مَا فِيهَا وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مَعَ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ إلَخْ لِتَحْلِيفِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَادُ فِي الْإِقْرَارِ عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا نَظَرَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً لِمُخَالَفَتِهَا لِلْعَادَةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدْت عَازِمًا عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَادُ أَيْ: وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ الْأَذْرَعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِقَبْضٍ مُمْكِنٍ ثُمَّ قَالَ: أَقْرَرْت بَاطِلًا قُبِلَتْ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِذَلِكَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي خِلَافًا لِلْقَفَّالِ، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَكَادُ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ لِشُمُولِ