الْإِبْهَامِ الْمُتَعَذَّرِ مَعَهُ التَّمْلِيكُ كَمَا مَرَّ كَانَ قِيَاسُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ التَّكَلُّفِ فِي صَرْفِ " أَوْ " عَنْ ظَاهِرِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ التَّخْيِيرِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا سَيَتَّضِحُ، وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِهَا الْمُقْتَضِي لِلْإِبْهَامِ الْمُتَعَذَّرِ مَعَهُ التَّمْلِيكُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَجْوِيزَ الْإِضْرَابِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ إذْ الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِإِحَالَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقْصِدُ الْإِضْرَابَ عَنْ إعْطَاءِ عَقِبِهِ، وَالْحُكْمَ بِإِعْطَاءِ عَقِبِ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ صِنَاعَةً؛ لِأَنَّهَا إذَا أَتَتْ لِلْإِضْرَابِ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا إلَّا الْجُمَلُ وَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ حَرْفَ عَطْفٍ بَلْ حَرْفَ اسْتِئْنَافٍ قَالَهُ الرَّضِيُّ وَكَذَلِكَ التَّقْسِيمُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ مُقَسَّمٍ سَابِقٍ حَتَّى تَكُونَ أَوْ مُقَسِّمَةً لَهُ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ أَوْ أَجْزَائِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا احْتِمَالُ كَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ وَقَدْ مَرَّ امْتِنَاعُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ مَعَانِيهَا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ حَتَّى تَكُونَ مُقَوِّيَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّقْسِيمِ، وَالْإِضْرَابِ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ اسْتِحَالَتِهِمَا، وَبِخِلَافِ نَحْوِ التَّخْيِيرِ، وَالشَّكِّ فَإِنَّ هَذِهِ تَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْبُطْلَانِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مَعَانِيهَا مَا يُحْوِجُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ غَيْرُ احْتِمَالِ كَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ الْجَوَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ مَعَانِيهَا لِنُدْرَتِهِ، وَعَدَمِ تَبَادُرِهِ مِنْهَا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ حَتَّى تَكُونَ مُرَجِّحَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ

وَيَأْتِي عَنْهُ جَوَابٌ آخَرُ ثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ " أَوْ " مَوْضُوعَةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْحَقِيقَةِ الْمُتَبَادِرَةِ لِكُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْمَعَانِي السَّابِقَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَفِي الْكَشَّافِ أَوَائِلَ الْبَقَرَةِ أَوْ فِي أَصْلِهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَسَاوِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الشَّكِّ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَاسْتُعِيرَتْ لِلتَّسَاوِي فِي غَيْرِ الشَّكِّ ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِالتَّمْثِيلِ لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيَّ الشَّكُّ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّخْيِيرِ، وَالْإِبَاحَةِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهَا، وَأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْخَبَرِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَقَطْ، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ، وَبِالْحَقِيقِيِّ أَيْضًا، وَفِي الْمُفَصَّلِ أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُطْلَقًا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَعْنَاهَا هَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ مَوَارِدِهَا فِي الْإِنْشَاءِ، وَالْإِخْبَارِ، وَفِي أَنَّ " أَوْ " لِلتَّشْكِيكِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالْإِبَاحَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا دَاخِلًا فِي مَفْهُومِهَا بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ مَوَاقِعِهَا فِي الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ السِّيَاقِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَمَا اخْتَارَهُ فِي الْكَشَّافِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَبَادُرِ الشَّكِّ مِنْهَا فِي الْخَبَرِ، وَيُوَافِقُ مَا تَقَرَّرَ فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُفَصَّلِ قَوْلَ السَّعْدِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي التَّلْوِيحِ فِي نَحْوِ جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ الْإِبَاحَةُ، وَالتَّخْيِيرُ قَدْ يُضَافَانِ إلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْ: لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ قَدْ تَأْتِي لِلْإِبَاحَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَقَدْ يُضَافَانِ إلَى كَلِمَةٍ " أَوْ " وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلِمَةَ " أَوْ " لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ، وَأَنَّ جَوَازَ الْجَمِيعِ، وَامْتِنَاعَهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَحَلِّ الْكَلَامِ، وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ اهـ.

وَقَدْ حَرَّرَ ذَلِكَ الرَّضِيُّ أَتَمَّ تَحْرِيرٍ فَقَالَ: وَقَالُوا: إنَّ لِأَوْ إذَا كَانَ فِي الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ الشَّكُّ، وَالْإِبْهَامُ، وَالتَّفْصِيلُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْأَمْرِ فَلَهُ مَعْنَيَانِ التَّخْيِيرُ، وَالْإِبَاحَةُ، الشَّكُّ إذَا أَخْبَرْت عَنْ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَا تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وَالْإِبْهَامُ إذَا عَرَفْته بِعَيْنِهِ

وَتَقْصِدُ أَنْ تُبْهِمَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُخَاطَبِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّفْصِيلُ إذَا لَمْ تَشُكَّ وَلَمْ تَقْصِدْ الْإِبْهَامَ إذَا عَرَفْته بِعَيْنِهِ، وَتَقْصِدُ أَنْ تُبْهِمَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُخَاطَبِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّفْصِيلُ إذَا لَمْ تَشُكَّ وَلَمْ تَقْصِدْ الْإِبْهَامَ عَلَى السَّامِعِ كَقَوْلِك: هَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا إذَا قَصَدْت الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا غَيْرُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَرَضٌ لَا غَيْرُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ.

، وَأَمَّا فِي الْأَمْرِ فَإِنْ حَصَلَ لِلْمَأْمُورِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ فَضِيلَةٌ، وَشَرَفٌ فِي الْغَالِبِ فَهِيَ لِلْإِبَاحَةِ نَحْوُ تَعَلَّمْ الْفِقْهَ أَوْ النَّحْوَ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِي التَّخْيِيرِ يَتَحَتَّمُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ هَذَا مَا قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي نَحْوِ تَعَلَّمْ الْعِلْمَ إمَّا النَّحْوَ أَوْ الْفِقْهَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ إمَّا، وَأَوْ بَلْ لَيْسَتَا إلَّا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُفِيدَتْ الْإِبَاحَةُ مِمَّا قَبْلَ الْعَاطِفَةِ، وَمَا بَعْدَهَا مَعًا؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ خَيْرٌ، وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ خَيْرٌ بِدَلَالَةِ " أَوْ " وَأَمَّا فِي الْإِبَاحَةِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالشَّكِّ، وَالْإِبْهَامِ، وَالتَّفْصِيلِ عَلَى مَعْنَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَعْرِضُ فِي الْكَلَامِ لَا مِنْ قِبَلِ " أَوْ " وَإِمَّا " بَلْ " مِنْ قِبَلِ أَشْيَاءَ أُخَرَ فَالشَّكُّ مِنْ قِبَلِ جَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ، وَعَدَمِ قَصْدِهِ إلَى التَّفْصِيلِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالتَّفْصِيلُ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهُ إلَى ذَلِكَ، وَالْإِبَاحَةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْجَمْعِ تَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةٌ، وَالتَّخْيِيرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015