وَلَوْلَا إتْيَانُهُ بِأَوْ فِي قَوْلِهِ: " لِعَقِبِي أَوْ عَقِبِهِ " لَقُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ بِمَنَافِعِهَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ لِمَنْ ذَكَرَ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لَكِنَّهُ لَمَّا أَتَى بِأَوْ صَارَ كَلَامُهُ لَغْوًا أَمَّا قَوْلُهُ: " فَالْوَصِيَّةُ بِهَا لِعَقِبِي أَوْ عَقِبِهِ " فَأَخْذًا مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْكِنَ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ، وَالْمَنْفَعَةِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَالْوَقْفُ تَمْلِيكٌ لِلْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ لِفُلَانٍ مَثَلًا وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ لِإِبْهَامِ الْمُوصَى لَهُ، وَالْمُبْهَمُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ، وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ لِمَا ذُكِرَ، وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ الْوَقْفُ، وَعَلَيْهِ فَبَحَثَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْوَاقِفِ فَوَارِثِهِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَعَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْمُوصِي ثُمَّ وَارِثِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْ الْوَقْفَ لِزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو كَالْوَصِيَّةِ أَوْ الْوَقْفِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ بِجَامِعِ إبْهَامِ الْمُوصَى لَهُ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَمَا صَرَّحُوا بِالْبُطْلَانِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذَا أَوْ هَذَا لِوُجُودِ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَعَدَمِ ظُهُورِ فَارِقٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إنْ جُعِلَتْ " أَوْ " هُنَا لِلشَّكِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلْإِبْهَامِ عَلَى السَّامِعِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَمْ جَازَ وَقَصَرَ ابْنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُ التَّخْيِيرَ عَلَى الْأَوَّلِ
وَسَمَّوْا الثَّانِيَ بِالْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِبَاحَةَ الشَّرْعِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْنَى أَوْ بِحَسَبِ اللُّغَةِ بَلْ الْإِبَاحَةُ بِحَسَبِ الْعَقْلِ أَوْ الْعُرْفِ أَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ:
وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا
أَيْ: وَعَلَيْهَا فُجُورُهَا أَوْ لِتَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ نَحْوُ " الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ " أَيْ: مُنْقَسِمَةٌ إلَى الثَّلَاثَةِ تَقْسِيمَ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَوْ الْكُلَّ إلَى أَجْزَائِهِ نَحْوُ ثِنْتَانِ صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَوْ سَلَاسِلُ فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ:
وَقَالُوا لَنَا ثِنْتَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا ... صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَوْ سَلَاسِلُ
" أَوْ " لِلْإِضَافَةِ كَبَلْ نَحْوُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ وَقِيلَ: هِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَوَجْهُ جَوَازِ الْإِضْرَابِ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ بِنَاءً عَلَى حَزْرِ النَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ثُمَّ ذَكَرَ التَّحْقِيقَ مُضْرِبًا عَمَّا يَغْلَطُ فِيهِ النَّاسُ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْحَزْرِ أَيْ: أَرْسَلْنَاهُ إلَى جَمَاعَةٍ يَحْزِرُهُمُ النَّاسُ مِائَةَ أَلْفٍ، وَهُمْ كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] فَلَا يَتَّجِهُ حِينَئِذٍ الْقِيَاسُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْإِبْهَامِ وَهَذَا أَعْنِي: أَوْصَيْت لِهَذَا أَوْ هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ " أَوْ " عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ تُفِيدُ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَوْ تَعَيُّنَ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْإِضَافَةِ قُلْت: لَنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ مَسْلَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّا لَوْ تَنَزَّلْنَا، وَسَلَّمْنَا أَنَّ " أَوْ " مَوْضُوعَةٌ لِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي السَّابِقَةِ فَهَذَا أَعْنِي: الْحَمْلَ عَلَى أَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَوْ مَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ حَيْثُ عُلِمَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ إمَّا بِتَصْرِيحٍ مِنْهُ بِذَلِكَ أَوْ قَرِينَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَعَانِيهَا أَمَّا إذَا جُهِلَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ " بِأَوْ " وَلَا قَامَتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الْجَمْعِ أَوْ نَحْوَهُ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَإِنْ قُلْت: يُرَجِّحُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُكَلَّفِ يَنْبَغِي صَوْنُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ، وَالْإِفْسَادِ مَا أَمْكَنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَغَيْرِهِ
قُلْت: مَحَلُّ هَذَا الصَّوْتِ مَا لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ ظَاهِرًا فِي الْوَجْهِ الْمُقْتَضِي لِفَسَادِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ التَّكَلُّفَاتِ الْبَعِيدَةِ الَّتِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ " أَوْ " فِيهِ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا لِتَخْيِيرِ الْمُوصِي الْوَصِيَّ فِي الصَّرْفِ لِعَقِبِهِ أَوْ عَقِبِ الْوَصِيِّ، وَلَوْ كَانَ التَّكَلُّفُ لِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ سَائِغًا لَتَكَلَّفُوا وَقَالَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ إنَّهُ خَيَّرَ الْوَصِيَّ فِي الصَّرْفِ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَمَدْلُولِهِ مِنْ