الِاسْتِحْقَاقَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَلَا عَمَل وَمَا قَدْرُ مَا يَلْزَمُ الْقَارِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَهُوَ أَقَلُّ الْجَمْعِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ يَتَّبِعُ عُرْفَ بَلَدِ الْوَاقِفِ وَهَلْ يَصِلُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إلَى الْوَاقِفِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَمَا شَرَطَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُهْدَى لَهُ عَقِب الْقِرَاءَةِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَلِوَالِدِيهِ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَبْرًا وَلَا غَيْرَهُ.
هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُهْدَى لَهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا سَوَاءٌ أَعَرِف قُبُورَهُمْ أَمْ لَا وَإِذَا شَرَطَ الْقِرَاءَةَ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَبْرٌ هَلْ يَصِحّ ذَلِكَ أَمْ لَا وَيَبْطُلُ وَقْفُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُهْدَى مِثْل ثَوَاب ذَلِكَ إلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْمُسْلِمِينَ حَيْثُمَا كَانُوا هَلْ يَصِحّ ذَلِكَ وَيَصِلُ إلَى جَمِيعِهِمْ وَمَا صِيغَةُ الْإِهْدَاءِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِلْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ وَهَلْ يَقُولُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ أَوْ مِثْلهَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَقْفُ صَحِيحٌ بِشُرُوطِهِ وَمَعْنَى إهْدَائِهِ مِثْل ثَوَابِ ذَلِكَ فِي صَحَائِفِ الْوَاقِفِ الْحَيِّ الدُّعَاء لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ مِثْلَ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِمْ لَهُ وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لِرَجَاءِ قَبُولِ مِثْلِ ذَلِكَ وَوُصُوله لَهُ إذْ هُوَ لِلْغَيْرِ مَقْبُولٌ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْعُمْرَةِ «لَا تَنْسَانَا مِنْ دُعَائِك» ثُمَّ رَأَيْت شَيْخنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ يُفْتِي بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ إجَارَةِ مَنْ يَقْرَأُ لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ نَذْرِ خَتْمَةً هَلْ يَصِحّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَنٍ وَمَكَانٍ وَهَلْ يَصِحّ الْإِجَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ وَإِذَا فَرَغَ الْقَارِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَمَا صُورَةُ مَا يَدْعُو بِهِ وَهَلْ يُهْدِيه أَوَّلًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ أَوْ يَعْكِس فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ تَصِحّ لِقِرَاءَةِ خَتْمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِزَمَنٍ وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ مَكَانًا أَوْ لَا وَقَدْ أَفْتَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهَا بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهُ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ إمَّا بِالدُّعَاءِ لَهُ عَقِبَهَا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إجَابَةً وَأَكْثَرُ بَرَكَةً وَإِمَّا بِجَعْلِ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَجْرِ لَهُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ صِحَّتَهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لِأَنَّ مَحَلَّهَا مَحَلُّ بَرَكَةٍ وَتَنْزِيلُ الرَّحْمَةِ وَهَذَا مَقْصُودٌ يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهِ وَلَهُ الدُّعَاءُ بِثَوَابِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّكِ بِتَقْدِيمِ مَنْ يَطْلُبُ بَرَكَتَهُ وَهُوَ أَحَبُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَالِبًا فَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ حَلَال لِمَا قُلْنَا وَلِعُمُومِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» اهـ.
عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ جُمْلَة مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأَمِّي السُّكْنَى بِهَا فَفِي فَتَاوَى الْعِمَادِ بْنِ يُونُسَ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءُ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ تَطْلُقُ، وَيَلْغُو الْإِلْزَامَ وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَهِيَ حَيَاتُهَا اهـ وَالْأَوْجُه الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا فِيهِ نَصَّا بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ الْمُحَقَّقُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ تَرَدَّدْنَا فِي اشْتِرَاطِ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت لِتَفْعَلُوا كَذَا وَتَفْعَلُوا كَذَا فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْن كَوْنِهِ تَوْصِيَةً وَاشْتِرَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ أَوْلَى وَمَا يَأْخُذُهُ الْقُرَّاءُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِرَاءَةِ سَائِغ بَلْ هُوَ مِنْ أَطْيَبِ وُجُوهِ الْكَسْبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ وَهُوَ كَالْأُجْرَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ فَيَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى إتْيَانِهِمْ بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ أَخَلَّ مِنْهُمْ بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي سَقَطَ مِنْ مَعْلُومِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ وَإِنْ أَطَرَدَتْ الْعَادَةُ بِالتَّرْكِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي أَخَلَّ بِهِ فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ وَقَفَ عَلَى مُقْرِئٍ يَقْرَأَ لِلنَّاسِ بِمَوْضِعِ كَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَجَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِتَرْكِ الْإِقْرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَاءِ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ يَوْمٍ صَرِيحٍ فِي الْعُمُومِ فَلَا يُتْرَكُ بِعُرْفٍ خَاصٍّ فَكَذَا قَوْلُهُ هُنَا كُلُّ لَيْلَةٍ صَرِيح فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي بِعُرْفٍ خَاصٍّ وَفِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا لَوْ شَرَطَ قِرَاءَةَ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَتَرَكَهُ أَيَّامًا ثُمَّ قَضَاهُ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ