فِي أَشْهُرِ الْبَطَالَةِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ أَجَابَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَلْحَظُ شُرُوطَ الْوَاقِفِ فَمَا كَانَ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَا شَرَطَهُ مَنَعَ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِهِ لَمْ يَمْنَعهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعُرْفُ وَتَنْزِلُ الْعَادَةُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ وَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ الْمُقَارِنُ لِلْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِهِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُون بَعْضٍ فَيَنْظُرُ فِي كَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهِ فَإِنْ اقْتَضَى اشْتِرَاطُ الزَّمَنِ الَّذِي تُرِك فِيهِ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ كَإِخْلَالِ الْمُتَفَقِّهَةِ بِالِاشْتِغَالِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا نَصَّ لِلْوَاقِفِ عَلَى وُجُودِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَكَذَلِكَ تَرْك الدُّرُوسِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْرُجهُ عَنْ الْمُعْتَادِ وَمِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ اشْتِرَاطُ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَيُّ يَوْم تَرَكَهُ فِيهِ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْبَطَالَةُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ فَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي رَمَضَانَ وَنِصْفِ شَعْبَانَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ حَيْثُ لَا نَصَّ لِلْوَاقِفِ عَلَى الِاشْتِغَالِ فِيهِمَا وَالْوَاقِعُ قَبْلَهُمَا يُمْنَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ مُسْتَمِرٌّ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي أَكْثَرِ التَّأْثِيرِ مَنْزِلَةَ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتْرُكُ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الِاحْتِيَاطِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ يَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ خَالَفَهُ فِيهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْن عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ حَيْثُ قَالَ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَوْ مَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ فَأَخَلَّ الْأَمَامُ وَالْمُشْتَغِلُ وَالْقَارِئُ بِهَذِهِ الْوَظَائِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى فِيهَا الْوَظِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ بَعْضَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّا نَتَّبِعُ فِي الْأَعْوَاضِ وَالْعُقُودِ الْمَعَانِي وَفِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا الْأَلْفَاظ وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ لَا الْمُعَاوَضَاتِ فَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ غَلَّطَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا يَأْتِي وَقَالَ السُّبْكِيّ مَا قَالَهُ فِي غَايَةِ التَّضْيِيق وَيُؤَدِّي إلَى مَحْذُورٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنهُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِيَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ إلَّا نَادِرًا وَلَا يَقْصِدُ الْوَاقِفُونَ ذَلِكَ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلٌ بِمَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي وَبِهِ يَزِيدُ التَّضْيِيقِ وَيَقْوَى الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ وَقَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتِيَارٌ لَهُ يَلِيقُ بِالْمُتَوَرَّعِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَقَوْمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْن الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ لَا يَنْهَضُ عِنْد التَّأَمُّلِ بَلْ الْوَقْفُ إذَا كَانَ أَرْصَادًا وَأَرْزَاقًا أَوْسَعُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ فِيمَا فِيهِ شَائِبَةُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مَا لَا يَتَسَامَحُ بِهِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِقْصَاء الْمُتَعَاوَضِينَ لِغَرَضَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ مُسَامَحَةِ صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ فَإِذَا كَانَ الْإِخْلَالُ بِمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَامِكِيَّةَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إذَا أَخَلَّ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ أَوْ الْإِمَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ الْمَبْنِيّ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَجُوزُ أَرْزَاقه مِنْ بَيْن الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ يَمْنَع مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا اهـ.
فَتَأَمَّلْ فَرْقَهُ بَيْن الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ وَبَيْن مِمَّا يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التِّبْيَانِ مَا حَاصِلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إنَّهَا آيَةٌ مِنْ غَيْرِ بَرَاءَةٍ فَإِذَا قَرَأَهَا تَيَقَّنَ قِرَاءَةَ الْخَتْمَةِ أَوْ السُّورَةِ وَإِلَّا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْقُرْآنِ عِنْد الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي وَظِيفَةٍ عَلَيْهَا جُعْل كَالْأَسْبَاعِ وَالْأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا أَوْقَافٌ وَأَرْزَاقٌ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِالْبَسْمَلَةِ أَشَدُّ لِيَسْتَحِقَّ مَا يَأْخُذُهُ يَقِينًا فَإِنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ عِنْد مَنْ يَقُولُ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَائِلِ السُّورَةِ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ بِتَأَكُّدِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَإِشَاعَتِهَا اهـ.
قُلْت لَا يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَيْ لِمَا أَخَلَّ بِهِ إذْ