حَاجَتُهُمْ إلَى إبْقَائِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُتَأَكِّدَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَكَانًا تُصَلِّي فِيهِ الْجَمَاعَةُ غَيْرَهُ وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَوَضَّؤُنَّ وَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ إلَّا عِنْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّ فِي هَدْمِهِ وَإِزَالَتِهِ عَنْ مَكَانِهِ سَبَبُ افْتِرَاقِ شَمْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ أَهْلِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى إنْشَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ فَهَلْ تَرَوْنَ طَرِيقًا لِهَذَا الْمُسْتَفْتِي فِي إبْقَاءِ مَا بَنَاهُ وَتَقْرِيرُ مَا عَنَاهُ فَقَدْ طَالَ تَعَطُّشُهُ لِذَلِكَ وَتَطَلُّبُهُ لِمَا هُنَالِكَ أَوْ تَجِدُونَ فِي ذَلِكَ وَجْهًا نَخْتَارُهُ وَنَقْتَفِي مَنَارَهُ أَوْ تَرَوْنَ فِي بَعْضِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ إسَاغَةَ التَّقْلِيدِ فِي هَذِهِ الْمُهِمَّةِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ وَعَرَفْتُمُوهُ فَأَوْضِحُوهُ لَنَا وَمَا الَّذِي تَعُدُّونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا صَوَابًا التَّقْلِيدُ لِلضَّرَرِ الْأَكِيدِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَالتَّخَلِّي عَنْهُ أَوْضِحُوا لَنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَدِلَّتِهَا وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا إيضَاحًا شَافِيًا وَبَيِّنُوا لَنَا الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَرَضِ فِي التَّقْلِيدِ وَعَدَمِهِ بَيَانًا شَافِيًا وَافَيَا وَلِيَعْلَمْ سَيِّدُنَا شَرَّفَ اللَّهُ قَدْرَهُ وَأَعْلَى فِي الطَّيِّبِينَ ذِكْرَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي بَنَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَبْنِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ اسْتَشَارَ أَهْلَ الْوَقْفِ وَاسْتَشَارَ صَاحِبَ الرُّبْعِ الطَّلْقِ أَيْضًا فَصَوَّبَ الْجَمِيعُ رَأْيَهُ وَأَذِنَ فِي بِنَائِهِ فَهَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ لَهُ مُفِيدًا أَوْ تَجِدُونَ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ تَسْدِيدًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِسْمَةُ النَّخْلِ دُونَ الْأَرْضِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي وَكَذَا قِسْمَةُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْوَقْفِ عَنْ الرُّبْعِ الْمِلْكِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا بِأَنْ تَسْتَوِيَ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَقَعْ رَدٌّ مِنْ الْمَالِكِ وَإِذَا اقْتَسَمَاهَا كَذَلِكَ صَارَ مَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَلِجِهَةِ الْمِلْكِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَأَمَّا فِي حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ نَخْلِ الْآخَرَ فَيَجْرِي فِيهِ كَمَا رَجَّحْتُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَا ذَكَرُوهُ آخِرَ الْعَارِيَّةِ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِهِمْ هُنَاكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ تَغْيِيرُ مَا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ مِنْ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ يَنْتَفِعُونَ بِغَلَّتِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ هَدْمُهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى بَانِيهِ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَى وَالتَّوْبَةُ مِمَّا اقْتَرَفَهُ إنْ عَلِمَ حُرْمَةُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْمُ بِنَائِهِ وَإِنْ تَعِبَ وَصَرَفَ أَمْوَالًا وَإِنْ احْتَاجَ النَّاسُ أَوْ اُضْطُرُّوا إلَيْهِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ الْجَمَاعَةُ بِسَبَبِ هَدْمِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ قَصْدٌ صَالِحٌ فِي الْبِنَاءِ وَالرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ نَعَمْ إنْ رَأَى لَهُ فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ وَجْهًا مُسَوِّغًا لِبَقَاءِ بِنَائِهِ مَسْجِدًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ بِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَوَجَدَ قَوْلًا مُعْتَمِدًا فِي أَحَدِ تِلْكَ الْمَذَاهِبِ بِذَلِكَ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ لَكِنْ لَا يُقَلِّدُ فِي اعْتِقَادِهِ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا ثِقَةً عُرِفَ بِالتَّقَدُّمِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَيُمَيِّزُ مُعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ هَلْ هُوَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً فَإِنْ قُلْتَ هُوَ فِي الْمَرْأَةِ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنِ فِي النَّسَبِ قُلْتُ: يُمْكِنُ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنِهَا فِي الِانْتِسَابِ إلَى مَنْ تُنْسَبُ هِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهَا لِكَوْنِهِ ابْنَ ابْنَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَيْهَا لِكَوْنِهِ ابْنهَا فَدَخَلَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهَا مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ ابْنِ بِنْتِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ أُمِّهِ بِخِلَافِ ابْنِ ابْنِهَا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ مَنْسُوبٌ إلَى أُمِّهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْتُهُ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِشْكَالَ السَّابِقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الِانْتِسَابَ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ فَتَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ أَصْلًا فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولًا عَلَى وَقْفِ الرَّجُلِ اهـ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ إلَّا عَمَلَا لَهَا حُلِيًّا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ أَوْ لَا