أَوْ الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّ مَا يُعْطَاهُ يَأْكُلهُ فَوْرًا أَوْ لَا يُعْطِيهِ غَيْرَهُ أَوْ غَيْر ذَلِكَ يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا إشْكَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ لِذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ نَظَرِ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ لِنُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا وَبِفَرْضٍ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقُلْ إلَّا وَقَفْتُ كَذَا عَلَى مَنْ يَفْطُرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَسْجِدِ كَذَا فَحُكْمُ ذَلِكَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ اغْتِنَامُ فَضِيلَةِ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ وَفَضِيلَةِ تَعْجِيلِهِمْ لِلْفِطْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَيَتَقَيَّدُ الْإِعْطَاءُ بِمِنْ فِي الْمَسْجِدِ وَبِالصَّائِمِ حَقِيقَةً فَلَا يُعْطَى لِمَنْ أَفْطَرَ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَلَا لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَإِنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَيُعْطَى مُمَيَّزٌ صَامَ، وَقِنٌّ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أُعْطَى شَيْئًا أَنْ يُفْطِرَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِسُحُورِهِ وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيمًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَتَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَهُ مِنْ عَظِيمِ ثَوَابِ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ وَتَعْجِيلِهِمْ لِلْفِطْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ تَشْتَمِلُ عَلَى قَدْرِ عِشْرِينَ عُودًا مِنْ النَّخْلِ وَصِفَةُ ذَلِكَ النَّخْلِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ نَخْلَةٍ وَنَخْلَةٍ مَسَافَةً قَدْرَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَشْرَبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ غِرْسِهِ بِحَمْلِ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي قِرَبٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا اشْتَدَّ وَصَارَ حَيًّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْمَاءِ بِجَذْبِ عُرُوقِهِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مُشَاعًا لِزَيْدٍ فِيهِ رُبْعُهُ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فَاتَّفَقَ مِنْ حَالِ الشَّرِيكَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَرْضِهِ بِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَبْقِيَتهَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِشَاعَةِ إلَى وَقْتٍ مَا فَاقْتَسَمَا كَذَلِكَ فَخَرَجَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ عَدَدًا مِنْ النَّخْلِ عَلَى قَدْرِ مَا اقْتَضَتْهُ شَرِكَتُهُمَا فِي ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي جَمِيعِ جِهَاتِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَأَخَذَا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مَدِيدَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَا يَخْرُجُ لَهُ مِنْ النَّخْلِ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ إنَّ عُمَرًا صَاحِبَ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْمَذْكُورَةِ وَقَفَ نَصِيبَهُ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ جَمِيعًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَيْضًا طَلَبَ وَرَثَةُ عَمْرٍو الْوَاقِفِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ زَيْدٍ الشَّرِيكِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ النَّخْلِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ النَّخْلَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ كُلَّهُ أَوْ مُعْظَمَهُ بَاقٍ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَزُلْ مِنْهَا فَأَجَابَ زَيْدٌ إلَى ذَلِكَ وَاقْتَسَمَا الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ فَخَرَجَ لِزَيْدٍ رُبْعُ بَيَاضِ الْأَرْضِ فِي طَرَفٍ مُعَيَّنٍ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ مِنْ نَخْلِهِ وَنَخْلِ شُرَكَائِهِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ وَلِأَرْبَابِ الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ بَيَاضِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ النَّخْلِ مُفَرَّقًا أَيْضًا فِي سَائِرِ جِهَاتِهَا فَالثَّلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ الْمَذْكُورَةِ صَارَتْ مَشْغُولَةً كَذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ نَخْلِهِمْ وَنَخْلِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فَدَامُوا عَلَى هَذَا الْوَصْفِ مُدَّةً ثُمَّ إنَّ بَعْضَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ اُنْتُدِبَ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ بَيْنَ بَيَاضِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّخْلِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ دَاخِلًا وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسُ إلَيْهِ وَتَعْوِيلِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَبَنَاهُ بِإِذْنِ أَرْبَابِ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيَاضِ الَّذِي صَارَ لِلْوَقْفِ وَكَانَ مِنْ صُورَةِ بِنَائِهِ فِيهِ أَنَّهُ اخْتَطَّ بُقْعَةً قَدْرُهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَبَنَاهَا بِنَاءً مُحْكَمًا وَأَوْقَفَهَا مَسْجِدًا عَلَى الْمُصَلِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَمَرَّ الْحَالُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَتَرَدَّدَ النَّاسُ إلَيْهِ وَصَلَاتُهُمْ فِيهِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ يَزِيدُ قَدْرُهَا عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمَدْرَسَةِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي اتَّفَقَ فِيهِ وُقُوعُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَجَرَى لَهُ مَعَ صَاحِبِ الْمَكَانِ الَّذِي اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بَحْثٌ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْمُتَفَقِّهُ إنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ لَا يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَى بَانِيهِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا ثَوَابَ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ بَلْ لَا يَثْبُتُ لِذَلِكَ الْبِنَاءِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ لَا حِلًّا وَلَا حُرْمَةً فَتَحَرَّجَ الَّذِي بَنَاهُ وَطَالَ لِأَجْلِ ذَلِكَ عَنَاهُ وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأُمُورٍ غَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ تَعِبَ فِي بِنَائِهِ تَعَبًا شَدِيدًا وَأَنْفَقَ فِي إنْشَائِهِ مَالًا كَثِيرًا وَمِنْهَا أَنَّ أَهْلَ الْمَكَانِ الَّذِي بَنَى ذَلِكَ الْمَسْجِدَ مِنْ أَجْلِهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ وَبِرَأْيِهِمْ