يَخْتَصُّونَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُشَارِكهُمْ فِيهَا الْأَعْزَابُ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ حَضَرَ وَقْتَ لُزُومِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ وَقْتِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَاقِفِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ إنَّهُ إذَا وُجِدَ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرٌ مُحْتَاجٌ مُتَزَوِّجٌ وَهُوَ لَا أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ الْخَمْسَةِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمَكَانُ سَكَنًا أَوْ إسْكَانًا اتَّحَدَا وَتَعَدَّدَ نَوَى الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِالْمَدِينَةِ أَمْ لَا مَا دَامَ مَوْجُودًا بِالْمَدِينَةِ أَوْ خَارِجَهَا إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهَا وَإِنْ طَالَ زَمَنُ غَيْبَتِهِ عَنْهَا كَمَا يَأْتِي وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ الْخَمْسَةِ مِنْ سَكَنِهَا هُوَ لَا أَبُوهُ أَيْضًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيطَانِ بِهَا سَوَاءً أَكَانَ مِنْ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِحَضْرَمَوْتَ أَمْ لَا لِأَنَّ فَحَوَى عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ إلَّا كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ لَا غَيْرُ.
وَأَهْلُ تِلْكَ الْمَحَالِّ يَكُونُونَ مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ لَا نَظَرًا إلَى خُصُوصِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِلْجَهْلِ بِهِمْ أَوْ خَفَائِهِمْ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الْوَاقِفُ كَأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الْحَضْرَمِيِّ إلَّا سَاكِنَ حَضْرَمَوْتَ وَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ لِتِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَ بِهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ شَرْطِهِ الْعَمَلَ ذَكَرَهُمْ فِي صُلْبِ عَقْدِ وَقْفِهِ وَالْمُرَادُ بِسَاكِنِ حَضْرَمَوْتَ الْمُتَوَطِّنُ مَحَلًّا مِنْ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ وَلَوْ قِنًّا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فِي الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ أَهْلُهَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكِهِ وَمِنْهُمْ الْأَرِقَّاءُ فَيَكُونُ لِسَادَاتِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ النَّظَرِ لِلْقَبِيلَةِ إذْ لَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَوَالِيهمْ فَضْلًا عَنْ أَرِقَّائِهِمْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَبِيلَةَ غَيْرَ مُرَادَةٍ هُنَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَاقِفَ أَرَادَهَا عُمِلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْخُلْ مَمْلُوكُهُمْ وَلَا مَوْلَاهُمْ.
وَخَبَرُ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ الْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرَفِ وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى بَنِي هَاشِمِ وَالْمُطَّلِبِ لَا فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِمْ حَتَّى يَدْخُلَ فِيمَا وُقِفَ عَلَيْهِمْ مَثَلًا وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ اعْتِبَارِ الشَّرَفِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَاعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ أَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَالْمُحْتَاجُ هُنَا مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ أَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ سَوَاءٌ اتَّحَدَ أَمْ تَعَدَّدَ يَسْتَحِقُّ السُّكْنَى أَوْ الْإِسْكَانَ فَإِنْ وُجِدَ جَمَاعَةٌ مُتَّصِفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ غَيْرُ مَحْصُورِينَ جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ أَوْ مَحْصُورِينَ اسْتَحَقُّوا كُلُّهُمْ ثُمَّ إنْ كَانَ كُلٌّ يُرِيدُ السُّكْنَى تَهَايُؤًا فِيهَا وَإِلَّا أَجَّرَهُ النَّاظِرُ وَقَسَمَ غَلَّتَهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ حَالَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَكَانَ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهِمَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ خِيَارًا حَتَّى صَرَّحَ فِيهَا بِاللُّزُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْجُودُ حَالَ وُجُوبِ الْغَلَّةِ وَهِيَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِرَّ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَكَرٌ مُحْتَاجٌ مُتَزَوِّجٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَاتِ الْخَمْسَةِ بِإِنْ لَمْ يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا أَصْلًا أَوْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَوَجَدَ أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَضَارِمِ تَعَيَّنَتْ إجَارَةُ تِلْكَ الدَّارِ وَصُرِفَتْ أُجْرَتُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ الْحَضَارِمِ وَمَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ تَوَطَّنَ بِنَفْسِهِ مَحَلًّا مِنْ إقْلِيمِ حَضْرَمَوْتَ الْمُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْخَارِجِينَ عَنْهَا بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهَا وَإِنْ طَالَ زَمَنُ خُرُوجِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْوَاقِفِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّةِ الْعَوْدِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبَحَثَ غَيْرُ وَاحِدٍ الِاكْتِفَاءَ فِي الْإِقَامَةِ بِمَا لَا يُعَدُّ أَيْ عُرْفًا مَعَهُ غَرِيبًا أَيْ بِأَنْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ وَإِنْ قَلَّتْ إقَامَتُهُ أَوْ مَكَثَ مُدَّةً ثُمَّ بِحَيْثُ صَارَ أَهْلُ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ مُقِيمًا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يَكْتَفِي هُنَا بِمُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ الْمَانِعَةِ لِلتَّرَخُّصِ بِنَحْوِ الْقَصْرِ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا تُحْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ دُونَ الدَّقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا وُجِدَ مَنْ هَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا عِنْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ غَيْرَ مَحْصُورِينَ جَازَ لِلنَّاظِرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إعْطَاءِ ثَلَاثَةٍ أَوْ مَحْصُورِينَ لَزِمَ اسْتِيعَابُهُمْ وَقَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ - فَإِنْ تَشَاحُّوا إلَخْ قَدْ عُلِمَ جَوَابُهُ أَنَّهُمْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إنْ تَهَايَئُوا وَإِلَّا أُوجِرَ لِأَنَّ الْوَاقِفَ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ خُيِّرَ ثَمَّ بَيْنَ السَّكَنِ وَالْإِسْكَانِ.
وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي الْمُقِيمِينَ مِمَّنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّفَاتُ حِين إيجَارِهِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي سَكْنَاهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -