لِلْأَوَّلِ مِنْ حِينِ تَثْبُتُ أَرْشَدِيَّتُهُ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ ثُبُوتِ رُشْدِهِ وَهُوَ وَجِيهٌ مَعْنًى وَنَقْلًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ لِلْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ مِنْ بَنِيهِ كَانَ لِأَفْضَلِهِمْ حَالَةَ اسْتِحْقَاقِ النَّظَرِ فَلَوْ تَجَدَّدَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ. نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلَوْ جَعَلَهَا لِلْأَفْضَلِ مِنْ وَلَدِهِ فَفِي دُخُولِ الْإِنَاثِ وَجْهَانِ ثَانِيهمَا يُرَاعَى الذُّكُورُ لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ اهـ.
فَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ ثَمَّ لِمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُمَا قَالَ وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ فِيمَا لَوْ تَجَدَّدَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ وَيَنْعَزِلَ الْأَوَّلُ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ كَلَامِ الْوَاقِفِ اهـ.
وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ بِأَنْ يَعْلَمَ تَجَدُّدَ الْأَفْضَلِيَّةِ لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ التَّعَارُضُ هُنَا كَأَنْ أَقَامَ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَجَبَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَاهُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا كَمَا عَلِمْتَ فِيمَا إذَا حَصَلَ تَعَارُضٌ فَيَجِب الْحُكْمُ بِالتَّسَاوِي إذْ لَا مُرَجِّحَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ لَفْظِ الْوَاقِفِ وَهَذَا نَصٌّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَوَجَبَ تَضْعِيفُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا مَرَّ وَبِمَا قَرَّرْتُهُ آخِرًا، تَعْلَمُ وَجْهَ اعْتِمَادِي مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَضْعِيفِي لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِمَادَنَا لِمُقْتَضَى تَنْظِيرِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَرَفْتَ ثُمَّ قَوْلَهُمَا نَعَمْ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَإِنْ مَشَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مُقْتَضَاهُ إذْ مُقْتَضَى النَّصِّ انْتِقَالُ النَّظَرِ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا لَوْ غَابَ الْأَهْلُ وَفَارَقَ انْتِقَالُ وِلَايَةِ النِّكَاحِ إلَى الْأَبْعَدِ بِفِسْقِ الْأَقْرَبِ بِأَنَّ الثَّانِي هُنَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ النَّظَرُ إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَا سَبَبَ فِي حَقِّهِ غَيْرِهِ وَأَوْلِيَاءُ النِّكَاحِ السَّبَبُ الْمُقْتَضَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِهِمْ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَقُدِمَ الْأَقْرَبُ عِنْدَ أَهْلِيَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ عَمِلَ الْمُقْتَضَى فِي الْأَبْعَدِ عَمَلُهُ ثُمَّ رَأَيْتَ السُّبْكِيّ قَالَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَرْشَدِيَّةِ زَيْدٍ ثُمَّ أَرَادَ آخَرُ أَنْ يُثْبِتَ أَرْشَدِيَّتَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدِهِ وَقَصُرَ الزَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ صِدْقَهُمَا تَعَارَضَتَا ثُمَّ يُحْتَمَلُ سُقُوطُهُمَا وَيُحْتَمَلُ اشْتِرَاكُهُمَا اهـ.
قَالَ غَيْرُهُ وَبِالثَّانِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ أَعْنِي السُّبْكِيّ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالثَّانِيَةِ إنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ اهـ.
قَالَ غَيْرُهُ بَلْ مُقْتَضَاهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّا نَحْكُمُ بِالثَّانِيَةِ إذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْأَرْشَدِ الْأَوَّلِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ مَبْلَغًا فِي كُلِّ سَنَةٍ لِإِمَامِ مَسْجِدٍ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْمَسْجِدِ صَرْفُ الْمَبْلَغِ فِي عِمَارَتِهِ إذَا صَارَ خَرَابًا أَوْ لَا وَهَلْ صَرْفُ مَبْلَغِ الْإِمَامِ فِي مُدَّةِ خَرَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَهَلْ لَهُ صَرْفُ الْمَبْلَغِ فِي ثَمَنِ حُصْرٍ وَقَنَادِيلَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَمَا حُكْمُ الْمَبْلَغِ الْمُتَحَصِّلِ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَيْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمُنْهَدِمِ مِنْهُ إلَّا بِصَرْفِ مَبْلَغِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقْد قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ اهـ وَفِي فَتَاوَى شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا كَفَتَاوَى السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ مَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الثَّانِي وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَالظَّاهِرُ فِيهَا أَنَّ مَبْلَغَ الْإِمَامِ لَا يُصْرَفُ إلَى نَحْوِ الْقَنَادِيلِ لِأَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ بِالْمَسْجِدِ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ وَالشَّارِعِ مِنْ وَقُودِهِ وَفَرْشِهِ وَأَمَّا غَلَّةُ وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْمُتَعَطِّلِ فَقَالَ الرُّويَانِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي غَلَّةِ وَقْفِ الثَّغْرِ اهـ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ إنْ رَجَا تَوَقُّعَ عَوْدِهِ وَوُجِدَ مَوْثُوقٌ ذِكْرُهُمْ يُحْفَظُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَتَّجِه مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الزَّائِدُ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَيُدَّخَرُ مِنْهُ مَا يُعَمِّرُهُ بِتَقْدِيرِ