بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعُرْفُ فِي الْمَدَارِسِ وَيَنْزِلُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا قَالَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنٌ وَوَقَّادٌ وَكَنَّاسٌ فَعَجَزَ رِيعُ الْوَقْفِ فَمَنْ مُقَدَّمٌ مِنْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُقَدَّمُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ قَالَ وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَالْمُؤَذِّنُ أَوْلَى لِعِظَمِ مَوْقِعِهِ فِي الدِّينِ وَأَفْتَى ابْنُ الْفِرْكَاحِ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ جَامِعٍ عَلَيْهِ وَتَرَتَّبَ أَئِمَّةٌ وَخَطِيبٌ وَمُؤَذِّنُونَ وَقَوْمُهُ وَأُنَاسٌ يُلَقِّنُونَ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ. وَالْوَقْفُ لَا يَفِي بِجَمِيعِهِمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُلَقِّنِينَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ حَوْشًا بِهِ ثَلَاثَةُ حَوَاصِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ ثُمَّ أَنْهَى أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ الْعَامِّ أَنَّ الْحَوْشَ وَمَا بِهِ مِنْ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةِ خَرِبٌ مُنْهَدِمٌ مُتَسَاقِطٌ وَاسْتَأْجَرَهُ مِنْ قَيِّمٍ شَرْعِيٍّ أَقَامَهُ النَّاظِرُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَعْلَاهُ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةَ قَائِمَةٌ عَلَى أُصُولِهَا وَقْتَ الْإِيجَارِ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا هَدْمٌ وَلَا خَرَابٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَجِّرُ شَيْئًا مِنْ الْحَوَاصِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِيجَارِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ حَدَّدَ الْحَوْشَ بِحُدُودٍ شَمِلَتْ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةَ فَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ لِوَرَثَتِهِمْ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ الْحَوَاصِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَضَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْمُؤَجِّرِ لَمْ يَذْكُرْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَمْ لَا؟
أَوْ تَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ وَتَشْمَلُهَا الْإِجَارَةُ لِكَوْنِ الْحُدُودِ شَامِلَةً لَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي الْإِجَارَةِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَا دُون أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ حِينَ الْإِجَارَةِ وَحُكِمَ بِذَلِكَ فَهَلْ تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ أَوْ نَائِبُهُ الْحَوْشَ الْمَذْكُورَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ خَرِبًا وَكَانَ خَرَابُهُ هُوَ الْمُسَوِّغُ لِلْإِيجَارِ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَابًا وَقْتَ الْإِيجَارِ بَانَ بُطْلَانُ الْإِيجَارِ وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إيجَارُهُ إنْ وَقَعَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَا أَجَّرَ بِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَضِيَّةِ الْأُولَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَحَلُّ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ إلَى يَوْمِ التَّنَازُعِ وَلَمْ يَخْلُفْ الرَّاغِبُونَ فِيهِ بَلْ كَانَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيهِ يَوْمُ الْإِيجَارِ رَغْبَتَهُمْ فِيهِ عِنْدَ التَّدَاعِي وَقَطَعَ الْمُقَوِّمُونَ أَنَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ بِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ هِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدَانِ بِأَنَّهَا دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَبَبًا يَقْتَضِي مَا شَهِدَا بِهِ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهَا حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ دَخَلَ فِيهَا مَا تَنَاوَلَتْهُ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَشَرْطُ النَّظَرِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَرْشَدِيَّتَهُ بِبَيِّنَةٍ وَمَكَثَ سِتَّ سَنَوَاتٍ ثُمَّ أَثْبَتَ آخَرُ أَرْشَدِيَّتَهُ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يُشَارِكُ الْأَوَّلُ فِي النَّظَرِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ أَيْ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَأَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا فِي النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْلَالٍ إذَا وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِهِمْ اخْتَصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ تَعَارَضَتْ فِي الْأَرْشَدِ فَتَسَاقَطَتْ وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ فَصَارَتْ كَمَا لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحُكْمُهُ التَّشْرِيكُ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ الِاسْتِقْلَالِ فَكَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى شَخْصَيْنِ مُطْلَقًا اهـ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ جَمَاعَةٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمْ إذَا أَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا أَوْ تَتَقَدَّمُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذْ التَّعَارُضُ حَاصِلٌ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ يَلْزَمُهُ تَسَاقُطُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَبَقَاءُ الرُّشْدِ وَذَلِكَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي مُشَارَكَةِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ